2012/07/04
محمود حسونة -دار الخليج انتقلت عدوى التلوث والابتذال الإعلامي من بعض الفضائيات إلى بعض الصحافة المكتوبة التي أصبحت تنافس الوسائل المرئية عدداً وإسفافاً، وبعد أن كان القلم سيفاً يدمي من يطاله، ولا يحمله سوى من يدرك قيمة الكلمة التي يخطها حتى لا يجرح بريئاً ولا يؤذي مشاعر قارئ، فقد اليوم الكثير من قيمته، وتحول إلى أداة انتهاك حرمات وتشويه سمعة رموز وشخصيات قدرهم الشهرة والنجاح . وتجاوز ذلك ليكون صانع فتن ومقتحم خصوصيات ومتعدياً على كل حدود الأدب واللياقة الإنسانية . أصبحنا اليوم نقرأ مقالات موجهة لا يستحي كتّابها من النيل ممن يختلفون معهم فكرياً أو سياسياً أو مذهبياً بحكايات ملفقة، ونطالع صفحات لونتها أخبار الفضائح الكاذبة التي تنال من المشاهير بأبناطها العريضة، ولعل آخر نماذجها ما نشر عن شبكة شذوذ تضم 3 من الفنانين هم نور الشريف وخالد أبو النجا وحمدي الوزير، وانتهى بحكمٍ بالسجن عاماً ضد رئيس التحرير والمحرر المسؤول . لغة الابتذال الإعلامي لم تعد تقتصر على خبر كاذب أو مقال موجه، ولكنها امتدت أيضاً إلى الحوارات التي أصبح بعضها مفبركاً، وآخر ما نشرته جريدة جزائرية مع الأديب والزميل الصحافي حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، ولأنه لا يقبل أن يصل حال صاحبة الجلالة إلى الانهيار لم يصمت أو يهادن وكشف الحقيقة أمام الرأي العام، حتى لا يقال على لسانه ما لم يتفوه به، وحتى لا تسقط مهنة الصحافة، خصوصاً أن الكثير مما ينسب إليهم حوارات أو تصريحات غير صحيحة يخشون تكذيبها حتى لا يقعوا تحت مقصلة هذه النوعيات من الصحف . أيضاً التحقيقات الصحافية لم تسلم من هذه الآفة، وأصبحت تعتمد على مصادر وهمية ليس لها وجود في الواقع، ولعل حلقة “بنات الليل” من برنامج هالة سرحان على قناة “روتانا”، كانت الدرس العملي لكل من يريدون الانتماء إلى مدرسة الإثارة، وإن كانوا لم ينتبهوا إلى أن السحر انقلب على الساحر، ومازال الدرس مستمراً . ومن نوعية الأخبار التي أصبحت تتصدر الصفحات الأولى لصحف الإثارة، تلك المتعلقة بعمليات التجميل التي أدمنتها بعض الباحثات عن الشهرة، وحولت نجمات الغناء والتمثيل إلى وجوه من الشمع، يكسوها الجمال وتخلو من الروح والجاذبية . والغريب أن هذا النمط من الجراحات كانت أخباره وحكاياته غير مقبولة حتى وقت قريب، وكانت من تقدم عليها تخفيها وتنفيها إعلامياً، وبمرور الوقت أصبحت مقبولة، بل وأحياناً يكون الكلام عنها مستحباً من فنانات يتوهمن كسب الرأي العام بإطلاعه على معاناتهن لأجل الحفاظ على جمالهن “المصنوع” . وكلما قبل الناس كلام الإعلام فيما كان محظوراً ومرفوضاً في الماضي، سعى بعض القائمين عليه لتوسيع الرقعة وزيادة الجرعة، والتسابق للكشف عن التفاصيل، وما يتبع ذلك من فضح خصوصيات الخصوصيات، وهو ما فعلته مطبوعة عنوانها الاهتمام بشؤون المرأة والأسرة، وجوهرها الإثارة والنميمة الفنية، حيث نشرت حواراً مع طبيب تجميل، ليتجاوز في كلامه كل الخطوط الحمر، ويفضح على الملأ مريضاته من الشهيرات، ويكشف المستور عن كل من وثقت فيه ولجأت إليه لإجراء بعض التعديلات على وجهها أو جسدها . هل تصدقون أن يخرج علينا طبيب متحدثاً عن النساء الأشهر بأن هذه نفخت، والثانية حقنت، والثالثة وخزت، والرابعة شفطت . . . الخ؟ هل أصبح أعضاء جسد المرأة مستباحاً ليتحدث أحدهم عن نساء متناولاً الصدر والأنف والوجه والخصر والجبين والحاجبين والعينين والشفتين، بل والمؤخرة واصفاً مؤخرة اثنتين من نجمات الغناء بأنها “بومبي” وهي كلمة فرنسية لمن يريد البحث عن معناها! إذا كنا وصلنا إلى هذا الحال . . فماذا سيحمل لنا الغد . . وإلام يطمح هؤلاء الذين تجاوزوا المبادئ والقيم والأعراف واستباحوا المحرمات باسم الإعلام؟ كفى . . ارحموا أبناءنا وأبناءكم وبناتنا وبناتكم، واعلموا أنكم ستكونون أول من يدفع ثمن الابتذال والفبركة والتلفيق وانهيار كل القيم الإعلامية والمجتمعية