2013/05/29
بديع منير صنيج – تشرين
لا تقتصر أهمية الحلقة التي خصصها برنامج «كانوا أطفالاً» كتحية لروح الفنان «ياسين بقوش» وبثتها الفضائية السورية مؤخرا
كونها جاءت كسيرة ذاتية لمبدع ساهم في وضع اللبنات الأولى للدراما في سورية, تاركاً بصمة خاصة له لن تمحى من الأذهان، لكنها تعدت ذلك لتكون بمنزلة بوح إنساني بسيط لفنان فَهِمَ خصوصية الطفولة، وما تمتلكه من حساسية فائقة في الكشف عن معدن المتكلم، لذلك سعى لوضع ذاته ضمن قالب درامي أقرب إلى الحكواتي أثناء سرده عن المحطات الفنية التي مر بها خلال سيرته الطويلة التي زادت على الستين عاماً.
فمنذ بداية الحلقة وحتى نهايتها، كان واضحاً إحساسه بإيقاع حكايته ووقعها في نفوس الأطفال المتحلقين حوله، لدرجة شعرنا فيها أننا ضمن أحد عروض المسرح التفاعلي، حيث ان «بقوش» لم يكتف بالإجابة عن الأسئلة الموجهة إليه، بل تعدى ذلك إلى خلق مناخ عام للحلقة يمزج فيها بين شخصيته الحقيقية وشخصية «ياسينو»، معرّجاً على عنتر بن شداد الذي كان يراه في «صندوق الفرجة»، مروراً بأصوات الباعة في منطقة الصالحية التي عاش فيها طفولته، وشخصية أساتذته في مدرسة الأيوبية التي حصل فيها على شهادته الابتدائية، إضافة إلى مجموعة من الصور بالأبيض والأسود عرضها على الكاميرا ذكّرته بزملاء عمله في المسرح والتلفزيون والسينما، وغنائه لبعض السكيتشات التي كان يقدمها مع زملائه في المهنة.
بدأت حكاية الفنان «بقوش» عبر المسرح المدرسي الذي قال عنه «إنه يعطي للأطفال أملاً للمستقبل»، ثم في مسرح العرائس الكائن سابقاً في جبل قاسيون، وبعدها انتسب إلى المسرح الحر الذي أسسه الفنان عبد اللطيف فتحي، كما شارك في بدايات تأسيس المسرح القومي ضمن عمل بعنوان «أبطال بلدنا»، وكان ذلك عام 1961، وتحكي المسرحية قصة الاعتداء الفرنسي على مصر زمن لويس التاسع، وعن تلك المرحلة قال الفنان الراحل: «كانت فترة تأسيس المسرح القومي جميلة جداً، حيث كان له نشاط فكري مهم علّمنا كيف نتعامل مع الدراما كفن له أصوله وضوابطه، وأذكر جيداً عندما كان الفنان نهاد قلعي في إدارة المسرح القومي وحولنا عدد كبير من الممثلين أمثال يعقوب أبو غزالة، أحمد عداس، عدنان عجلوني، سليم كلاس، ثناء دبسي، وسليم صبري، وشاركت في العديد من الأعمال المسرحية أذكر منها «سهرة مع أبو خليل القباني» ومسرحية «الملك هو الملك» و«الملك لير» و«جاندارك» و«كفر قاسم».
تتواصل السيرة الفنية لـ«بقوش» عبر التلفزيون الذي بدأ فيه من خلال برنامج «نادي الأطفال» للمخرجة غادة مردم بك والذي تقدمه هيام طباع، حيث كان يقدم مع الفنان عمر حجو فقرة ضمن البرنامج لتكر بعدها سبحة المسلسلات التلفزيونية التي شارك فيها ومنها «زقاق المايلة»، «حكايا الليل»، «حمام الهنا»، «صح النوم»، «مقالب غوار»، إضافة إلى عمله منذ عام 1958 في إذاعة دمشق مع حكمت محسن صاحب شخصية «أبو رشدي». وتكمل حلقة «كانوا أطفالاً» مسيرة الفنان القدير من خلال سؤال الأطفال عن أعماله السينمائية ليوضح «بقوش» أن أول فيلم سينمائي شارك فيه كان بعنوان «رحلة حب» من بطولة حسن يوسف وملك سكر، ليقدم بعدها دوراً مميزاً مع الفنان دريد لحام في فيلم «المزيفون» الذي نال حينها نصيباً وافراً من النجاح، ثم شارك في فيلم «عنتر فارس الصحراء» مع الفنان محمود سعيد، وغيرها من الأفلام التي تنتمي إلى مرحلة زمنية عاشت فيها سورية نهضة سينمائية مشهوداً لها. ولعل أهم ما قدمته هذه الحلقة -إضافة إلى غناها بالمعلومات التي وثقت لبعض ما تكتنزه ذاكرة «ياسين بقوش»- أنها أبرزت ذكاء البساطة الذي يتمتع به هذا الفنان، وقدرته العالية في توصيف الحياة على أنها دراما، وعمق التصاقه بالواقع الذي جعله لا يؤثر الخروج من عباءة شخصية «ياسينو»، والتي كانت تمثل في مسلسل «صح النوم» بحسب قوله «بساطة الشعب العربي المحب، والعالق بين عفوية الفكر العربي، وفكر آخر متآمر عليه يسعى للاستئثار بالأرض العربية وما فيها من خيرات».