2012/07/04
دار الخليج – ماري ريتا نهرا
تعتبر كاترين دونوف أسطورة فنية تعشق الانغماس في الأفكار الشابة المتعلقة بالسينما، وفي فيلمها “مكانة صورية” للمخرج فرانسوا أوزون تجسد كاترين دونوف شخصية امرأة برجوازية ثائرة في فرنسا خلال سبعينيات القرن العشرين، عن هذه التجربة تحدثت إلى مجلة “إيل” الفرنسية:
المعروف عنك أنك لست مهووسة بالمعايير الجمالية المثالية لكنك مع ذلك تجسدين الجمال الأنثوي بكافة مقاييسه، فهل ما زالت تلك الفتاة المفعمة بالطاقة؟
ربما يعتقد الكثيرون أنني تلك المرأة التي عاشت وتعيش دوماً في برجها العاجي بعيدة عن الناس ومشكلاتهم، لكنني أؤكد لهؤلاء أنهم مخطئون، فأنا ممثلة تحب أن تنزل إلى الحقل وتقطف الثمار وتجمع الفطر والطماطم وتطبخ “الأرزية” (طبخة إيطالية) وتذهب إلى المدرسة لإحضار أحفادها وتداعب أقدام الأطفال الصغار في الشارع وتحرك الجبال إن استطاعت، ولست مهووسة بالشهرة، لكن لا مانع أن أفعل كل ما سبق والعالم كله يعرفني .
ربما لا يعلم الكثيرون أنك تحبين المزاح والدعابة والكوميديا .
هذا صحيح، فالصورة الأولى التي يلمحها الناس أو المشاهد ربما لا توحي له بذلك، فأنا بسيطة جداً وأحب الضحك والمزاح والكوميديا، لكن الذي يجب أن يعلمه المعجبون بي أنني عشت حياة متقلبة ولدي الكثير من الأسرار لكن الصحافة التي اعتادت أن تصورني على أنني المرأة الكاملة منذ ظهوري في سن الثامنة عشرة، ربما تكون أخطأت في حقي ونقلت صورة محرفة بعض الشيء عن حياتي وأحاطتني بشيء من السرية، والحقيقة أنني كنت دائماً لا أحب الخلط بين العام الذي يجب أن يعرفه الناس عني والخاص المتعلق بي شخصياً .
حدثينا عن تجربتك السينمائية الجديدة .
في فيلم “مكانة صورية” أجسد شخصية امرأة برجوازية تسمى سوزان بوجول وهي شاعرة ومتزوجة من مدير مصنع للمظلات الشمسية، لكنها تعيش على هامش الحياة فلا هي تمتلك مكانها في مطبخها الذي تتقنه كزوجة برجوازية تقليدية ولا هي ترى مكانها في النادي الليلي الذي يتردد عليه زوجها بصحبة صديقاته فقط .
وأعتقد أنه لا بد من الرجوع إلى النساء البرجوازيات اللواتي بلغن الخمسين سنة في سبعينيات القرن العشرين لنرى إن كانت الذاكرة تسعفهن لمعرفة ما إذا كن يصففن شعورهن مثل ليليان بتنكور (أغنى امرأة في الوقت الراهن) وهي التصفيفة التي ظهرت بها في الفيلم وإذا كن يرين أنفسهن في هذه الشخصية .
يبدو أنك أردت أن تظهري في تجربتك الجديدة بوجه كوميدي لم نتعود على مشاهدته لك عبر الشاشة .
أحببت دائماً المشاركة في أعمال كوميدية لكن المراهنة على إضحاك المشاهدين أصعب كثيراً من تحريك مشاعرهم وأعتقد أنه لا شيء أكثر إثارة للشفقة من أداء كوميديا في غير مكانها ولا تصل إلى نفس المشاهد، ومن هنا كانت نهاية الفيلم مقصودة بمعنى أنها كانت تثير المشاهد وتجعله يضحك من كل قلبه .
لاحظنا في فيلمك الجديد أن مفهوم إعادة صياغة التاريخ المتعلق بالأحداث والظواهر بدا واضحاً من خلال الديكور، فهل كان ذلك أمراً مراداً أم أن ظروف القصة فرضته؟
أعتقد أنه إذا أراد الممثل أداء دور ما فإنه يحتاج إلى أن يتخيل بأن الشخصية تخرج عن إطارها الزمني كما أن الصعوبة تتمثل في الإصرار على إبداء صورة الشخصية بحيث تظهر مضحكة أو خفيفة الظل بأي ثمن، وهنا أردت ألا تكون سوزان بوجول كاريكاتيرية أو مضحكة لأنني لست متأكدة تماماً إن كان الأمر تغير منذ ذلك العصر حتى الآن، لأن النساء يشاركن قليلاً في المجالس الاستشارية للمؤسسات وعندما يصلن إلى السلطة فغالباً ما نجدهن يتعرضن لهجوم يطال أنوثتهن أو يتم انتقادهن لأسباب لا تتوافق مع الأمور المنوطة بهن، هذا مع العلم أن النساء في كثير من بلدان العالم يشاركن بفعالية في تنظيم وتسيير الأمور اليومية . وأما بالنسبة إلى شخصية سوزان بوجول فيمكن تشبيهها ب(روكي) أو قصة نجاح مريرة بمعنى أنها كانت في البداية لا تمتلك شيئاً، وكانت على هامش المجتمع رغم مكانة زوجها ثم يأتي الصعود المفاجئ نحو الظهور والنجاح .
لاحظنا أن ثمة بصمة لسنوات السبعينيات على الفيلم، فهل أحسست أن هناك مفارقة تاريخية ما أو أن الأحداث تقع في غير زمانها الصحيح؟
لا، بل عملنا على الاعتناء بأدق التفاصيل المتعلقة بتلك الفترة حتى إننا لم نوفر الغطاء المخملي الأزرق الذي كان يغطي الهواتف آنذاك، إضافة إلى العناية بتصفيف شعر الفتيات على طريقة فرح فاوست، وبدت الممثلة جوديث جودريش التي تمثل دور ابنتي في الفيلم جميلة بتصفيفة الشعر على طريقة فرح فاوست، كما أن سوزان بوجول ظهرت وهي تمارس رياضة الركض وتضع على شعرها عقد المجعدات (ملقط أو أنبوبة يلف عليها الشعر لتجعيده) والحقيقة أن هذه الأفكار هي من بنات أفكاري لأنني عشت تلك الفترة بكل تفاصيلها وأنا مسرورة لذلك .
ألا تعتقدين أن هذه السنوات بالنسب إلى مخرج مثل فرانسوا أوزون، تنتمي إلى التاريخ، لكنها بالنسبة إليك حدثت بالأمس؟
بشكل عام المرء لا يرى نفسه أنه تغير كثيراً، اللهم إلا إذا وقعت مصادفة على فيلم قديم أو صورة قديمة لي هنا وهناك، عندها ألمح التغيير، لكن يمكنني القول إنني عندما ألمح تلك الفتاة التي ظهرت في فيلم (بل دو جور) قبل أربعين عاماً وكانت تسمى جونوفييف أشعر أنها تناديني وكأنها أحداث وقعت الآن إنها تعيدني إلى العصر الذهبي، وعلى أي حال لا نستطيع لأول وهلة عندما نشاهد أنفسنا شباباً في فيلم قديم أن نعي بسرعة بأننا كبرنا، بل إننا نعيش تلك اللحظات كما لو كانت تحدث الآن، فغالبية الوقت أشعر بأن ثمة استمرارية مع حياتنا السابقة لا نريد الخروج منها، هذا هو الإنسان، يجب أن يبدو شاباً حتى إن بلغ المئة!
ألا تريدين الاعتراف بالشيخوخة؟
لم تزل والدتي حتى اليوم تقول لي “كوني منطقية وعقلانية يا ابنتي” لكنني أجيبها: وهل تعلمين كم صار عمر ابنتك الصغيرة، ألم تتعودي بعد علي؟ لكن أياً كان الحال فسأبقى حتى آخر رمق ابنتها الصغيرة المدللة .
ما الأمور التي لا تجدين فيها نفسك عقلانية وبعيدة عن المنطق؟
ثمة أشياء كثيرة، النوم، والتدخين . . . لكنني بشكل عام لا أتنازل بسهولة عن بعض الأمور .
كيف تصفين نفسك خلال فترة السبعينيات؟
كان شعري طويلاً جداً وأشقر، كثيرة التحرك رغم كل شيء، وكنت أعمل كثيراً حتى الشعور بالدوار كي لا أفكر كثيراً، كما كنت أصور عدة أفلام في السنة الواحدة، لكنني أقول إن السينما في حياتي لم تأخذ تلك الأهمية التي هي عليها الآن، حيث إنني أكثر من مشاهدة الأفلام القديمة حتى الفجر لأنه لم يعد لدي الكثير من الضغوط كامرأة تضطر إلى الاستيقاظ عند السابعة صباحاً كي تحضر أولادها للذهاب إلى المدرسة مثلاً، وأعتقد أنني كنت في السابق أقل ولعاً بالسينما الناشئة (الشبابية) وحتى الآن لا أعتقد أنني كثيرة الولع بها ربما لأنني نشأت في مدرسة تختلف عما نراه الآن .
وأعتقد أن حظي كممثلة، هو أنه سنحت لي الظروف لأقابل شخصيات مهمة تعمل في مجال السينما في وقت مبكر من حياتي، حيث أدخلني هؤلاء في عالمهم من دون أن أبذل الكثير من المجهود لأصل أو لأحقد على أحد منهم لسبب أو لآخر، فلقد كان كل شيء بالنسبة إلي أمراً عادياً أن أقابل أو أعمل مع أشخاص موهوبين أمثال ديمي وبولونسكي، وتروفو، ولقد تعلمت منهم الكثير وخصوصاً كيف أرى وأفهم المخطط الموضوع لهذا المشروع أو ذاك .
قال عنك المخرج والكاتب السينمائي أرنو ديبليشان إن لديك نظرة محرجة أكثر ممن ممثلة في أعمالك أي عندما تمثلين أحد المشاهد، فهل تدركين فعلاً ما يقول؟
لا أعرف حقاً، وربما يعود ذلك إلى الإحساس بالعزلة عندما نكون على خشبة التصوير ولا أشاهد المشهد الذي نصوره فقط كممثلين، بل كمخرجين أيضاً .
هل تشاهدين أفلاماً كلاسيكية؟
شاهدت كثيراً هذا الصيف مع حفيدتي البالغة من العمر 7 سنوات العديد من أفلام هيتشكوك، والحقيقة أن الشيء الذي يفاجئني هو أن أولادي لا يتناولون الفيلم كما أتناوله أو أفهمه أنا، فعلى سبيل المثال أحب أن أذهب إلى السينما لأ كتشف هذا الفيلم أو ذاك قبل أن أشاهده على اسطوانة (سي . دي) وأنا أعتبر أن ال “دي .في .دي” وغيرها ليست سوى أدوات تساعدنا على التذكر، والأمر يختلف عندما نشاهد الفيلم في السينما .
ما الذي يجعلك تضحكين من قلبك؟
ابنتي “شيارا” فهي تملك حساً لاذعاً للدعابة والنكتة، وكلما قلت لها إن تتوقف، تزيد من نكتها إلى درجة أنني لا أتمالك نفسي عن الضحك بصوت عالٍ، المثير في الأمر أنها تسخر كثيراً من نفسها وأعتقد أنها تملك هذه الموهبة من أبيها مارسيلو ماستروباني، وأنا مسرورة جداً لأننا سنظهر معاً في فيلم قادم من إخراج كريستوف هونوريه وهي فرصة كي نتكلم في أمور العمل.