2012/07/04
موسى السيد - تشرين
قبل قرابة عام قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في شهادة أمام الكونغرس: لقد أنفقنا مئات ملايين الدولارات على قناة «الحرة» دون جدوى، لأنها فشلت في التأثير على الناس في الشرق الأوسط، وكان الأجدى إنفاق هذه الأموال على وسائل إعلام عربية وإعلاميين وكتاب من المنطقة يستطيعون إحداث تغييرات في المشهد العام تحت إشرافنا
ولم يعد سراً أن وثائق ويكيليكس قد كشفت عن تعاون قناة الجزيرة مع المخابرات العسكرية الأمريكية كما لم يعد من الأسرار ما تثيره هذه «الجزيرة» من أسئلة وتساؤلات حول النشأة والرعاية والأهداف التي قامت لتحقيقها، وهي أسئلة برزت بعد فترة وجيزة من بداية عمل القناة، لكنها سرعان ما تلاشت لأن المشرفين عليها نجحوا بالفعل في عملية التسلل الى أذهان المشاهدين العرب وبأساليب ذكية لصناعة رصيد لم يكن الكثير من الناس يتوقعون أين سوف يتم إنفاقه ولمصلحة أي أهداف الى ان جاء الوقت الذي بدأ فيه الهجوم الإعلامي الكبير تحت مسمى «الربيع العربي»، ورغم هذه الحقائق فإن الاستماع الى أولئك الذين يملكون معلومات من داخل بيت «الجزيرة» يبقى أمراً هاماً للغاية.
فقد استضافت قناة a.n.b الفضائية اللبنانية في الثالث من هذا الشهر واحداً من هؤلاء الذين لديهم معلومات تفصيلية وهو الدكتور عبد العزيز الخميس رئيس تحرير مجلة «المراقب العربي» فكان جزء كبير من الحوار قد تركز على الدور الذي تقوم به الجزيرة. ومن مقدمات الحوار وحيثياته قال الضيف: إن الأحاديث عن المهنية والشرف الإعلامي قد أصبحت في غير موضعها لأن بعض وسائل الإعلام العربية تجاوزت جميع الخطوط الحمر وتحولت الى وسائل دعائية ذات صبغة حربية.
قال الضيف: إن الجزيرة تقوم الآن بدور اكبر من قدرة البنية السياسية والفكرية التي تساندها، مؤكداً أن صراعات عنيفة نشبت وراء الكواليس بين تيارات تكفيرية متطرفة وأخرى تدعي الليبرالية وثالثة هجينة تريد تحقيق المستحيل هو تهجين خطاب متطرف مع آخر ليبرالي ومهما يكن الحال فإن ذلك أثار داخل الدولة التي ترعى هذه القناة صراعات حقيقية مصدرها الخوف من انقلاب السحر على الساحر لأن بنية هذه الدولة لا تستطيع تحمل خطاب متطرف أو آخر ليبرالي الى مالا نهاية، فلماذا يكون هذا الخطاب صالحاً لدول أخرى وليس كذلك لمن في قلعة محاصرة باللون الواحد والصوت الواحد تفتقر الى أبسط مقومات الحرية والديمقراطية والرأي والرأي الآخر.
يعتقد الضيف أن المدير السابق للقناة «وضاح خنفر» ذهب ضحية هذه الصراعات إلا أن ذلك لايعني ان القناة سوف تغير خطابها لان هذا الأمر ممنوع بعد: «وصول الجزيرة الى درجة غير معقولة من التهييج والكذب والتطرف في تغطية الأحداث في سورية». الأمر في هذه الحالة قد أصبح مشابهاً لنفسية مقامر، يضع كل مايملك على الطاولة ويراهن ويعتقد أنه سوف يربح ولا يفكر ماذا يحدث إذا وقعت الخسارة؟ وتلافياً لهذا الاحتمال الأخير قال الضيف إن الجزيرة أعادت الروح لبعض برامجها التي تريد تذكير الناس بالرأي والرأي الآخر، بعد إزاحة خنفر، إلا أن هذه المحاولة جاءت متأخرة لأنك لا تستطيع تقويض كل مقومات الخطاب الإعلامي الموضوعي والنزيه ولو بدرجة ضئيلة، ثم تعود لتذكير الناس بما تفتقر إليه بشكل فادح.
الكثير من الأموال تنفق في قناة «الجزيرة» لكن الأموال وحدها لا تصنع قضية تكسب العقول والقلوب، إذ لو كانت الأموال وحدها هي الفيصل فبماذا نفسر نتائج مغامرات حربية أمريكية أنفقت عليها مئات مليارات الدولارات ثم انتهت الى مأزق كبير، كما حدث ويحدث في العراق؟!