2012/07/04
تهامة الجندي – الكفاح العربي
في سياق موجة الانتقادات الساخنة التي تجتاح الساحة السورية من قبل ممثلي النظام ومعارضيه على حد سواء، جاء العرض المسرحي الانتقادي «الوجه الآخر من حكاية السيدة روزالين»، الذي قدّمه المعهد العالي للفنون المسرحية في صالة القباني في دمشق ضمن إطار عروض مشاريع التخرّج، بمثابة كوميديا سوداء تتصل باللحظة الراهنة. كيف؟
بدأ العرض بمشهد تمهيدي لا صلة مباشرة له بما سوف يأتي من أحداث أو شخصيات. اتسم بطابع الإيحاء العام، وتم المشهد في إطار قبو يُستخدم كمستودع لتخزين الأدوية والمعدات الطبية في أحد مستشفيات العاصمة التابعة للقطاع الحكومي، حيث تتقدم ثلاثة صناديق تحمل ختم «الهلال الأحمر» من شخص ينام في مقدمة الخشبة، وتتحدث محتوياتها بعبارات غير مترابطة عن أمور تجري في الخفاء، وتعيد طرح مقولة شكسبير حول ماهية الوجود بأشكال متعددة: أن نحلم أو لا نحلم... ننام أو لا ننام... هذا هو السؤال، فيما تؤكد الصناديق في النهاية أن الجميع نيام.
الرجل النائم هو حارس المستودع الذي يستيقظ على صوت زوجته الممرضة وهي تستجير به، فقد كانت الشاهدة الأولى على الحدث المنطلق أو حدث ما قبل البداية في الحبكة الدرامية، وهو اكتشاف مقتل أحد الأثرياء المتنفذين، حيث تُغلق أبواب المستشفى، ويُحتجز جميع من فيه من عاملين وزائرين للتحقيق معهم في ملابسات الجريمة. وفي سياق التحقيق تتقدم شخصيات العرض، وتدلي باعترافاتها التي تختلف في قصصها، وتتفق بأنها تعكس وجوها متعددة من وجوه الفساد الأخلاقي، سواء ذلك الذي يستشري بين أفراد المجتمع، أو ذلك الذي تعانيه مؤسسات الدولة.
التحقيق في الجريمة المنطلق يكشف المزيد من الجرائم، ومع كل اكتشاف تتنامى دلالات المكان الثابت (المستودع) لتشمل كل أقبية الظلام التي تُنتهك فيها حرمة القانون وحقوق الإنسان في العيش الكريم. ورغم أسلوب العرض الواقعي المباشر في طرح مسائل الفساد وإدانته لها، فهو يعتمد في توليف حبكته الدرامية على مبدأ التشظي وتناسل القصص من بعضها البعض، وفي تركيب وبلورة شخوصه وأحداثه على مبدأ الارتجال والرمزية للخروج من إطارها المحدد إلى مجال أعم بما تحمله في طياتها من إحالات، كما أنه يهتم برصد مفارقات الموقف بما تعكسه من مرارة وسخرية في الآن ذاته، بحيث بدت تفاصيل العرض الذي استغرق أكثر من ساعتين وكأنها عينة وامتداد لما يجري خارج الخشبة.
خلال مجريات التحقيق تقدّمت حوالى عشرين شخصية بين رئيسة وثانوية، مثّلت بلهجات حديثها المتباينة مختلف المناطق السورية، وتنوعت بين ربات البيوت والعاهرات وصغار الكسبة ورجال الأعمال والمديرين والموظفين العاديين، ممن رسموا لوحة مصغّرة عن شرائح الطيف الاجتماعي وطبيعة الصراعات الدائرة في ظله، بحيث كان في مقابل كل شخصية فاسدة من هؤلاء ضحايا وشخصية نزيهة تنادي بالإصلاح. في مقدمة الفاسدين جاءت شخصية المحقّق (مصطفى سعد الدين) الرجل القمعي الذي يستغل منصبه لخدمة أغراضه الشخصية وخدمة أغراض عائلته، يرتشي ويغتصب الفتيات وينتزع الاعترافات التي يرغب فيها، ليضع من موقعه أول رمز من رموز الفساد في أجهزة القضاء. وفي مقابل هذه الشخصية برزت المحامية الشابة (حلا رجب) التي تسعى الى الاقتصاص من المفسدين حتى وإن كانوا من أفراد أسرتها، وبرز الشرطي الفقير (أويس مخلالاتي) الذي يطيع أوامر المحقق، لكنه يتعاطف ضمناً مع الضحايا من أبناء جلدته.
الآخر الفاسد كان مدير المستشفى الحكومي (يزن الخليل) الطبيب الذي يشارك في صفقات بيع وتهريب المعدّات الطبية والأدوية المخصصة لعلاج الفقراء إلى المستشفيات الخاصة بالاتفاق مع حارس المستودع، والذي يجري سرا عمليات رتق البكارة والاجهاض لقاء مبالغ كبيرة مبررا ذلك بدرء جرائم الشرف، مع أنه هجر زوجته وحرمها رؤية ابنتها، لأنها لم تكن عذراء يوم زفافها. وفي المقابل هناك الشاهدة الأولى على الجريمة التي تحتج وتقاطع زوجها الحارس حين تكتشف اشتراكه في صفقات التهريب.
من بين الضحايا هناك زوجة المغدور المتهمة بقتله، لأنها تزوجته سراً رغم فارق السن، لتنجو بنفسها من واقع الفقر الذي كان يجثم على صدرها ويصادر أحلامها في الأحياء العشوائية، والرجل الفقير الذي يكتشف بعد تحليل طبي طارئ أنه عقيم، مع أنه متزوج منذ سنين طويلة وينفق على أربعة أولاد يعتقد أنهم من نسله، والمعلّم الذي لا يملك ثمن قوت أطفاله بعد خدمة أكثر من عشرين سنة في مدارس الدولة.
وهكذا تتقدم عجلة التحقيق، ويمضي الشهود بالإدلاء باعترافاتهم، وتشتد بؤر الصراع الداخلي وتقود شخصيات العرض إلى موجة من التشنجات ونوبات الجنون، هي بمثابة الإعلان عن حالة من الرفض والتمرد على الواقع، أمام جمهور يشاطرهم التجربة في أكثر من معنى.
بطاقة
الإشراف والإخراج: فايز قزق، دراماتورجيا: وائل قدور ولواء يازجي، تدريب صوتي: فادي عطية، ديكور: نعمان جود، تأليف موسيقي: أحمد الأشرم، إضاءة: ماهر هربش، مخرج مساعد: رغد مخلوف.
تمثيل: أروى عمرين، أويس مخلالاتي، حمادة الرفاعي، حلا رجب، دانا مارديني، صلاح حنون، غفران خضور، كرم الشعراني، لوريس قزق، مصطفى المصطفى، مصطفى سعد الدين، نور أحمد، وسام أبو صعب، يزن الخليل.