2012/07/04
محمد أمين - الوطن
لم يكن نتاج الدراما التلفزيونية السورية في موسم 2010 في أفضل حالاته بإجماع أغلب النقاد والمراقبين للمشهد الدرامي السوري وربما كانت هذه السنة من السنوات العجاف في مسيرة هذه الدراما وخاصة في العقد الأول من الألفية الجديدة حيث لم يترك نحو ثلاثين مسلسلاً انتجت في الموسم الفائت ذاك الصدى الكبير الذي تعودنا أن تتركه أعمال سورية على مستوى العالم العربي مع أننا لا ننكر أن بعض الأعمال استحقت الاحترام ولكن لم تكن أعمالاً متكاملة من حيث البناء الدرامي أو الاقتراح الإخراجي الذي لم يشهد أي تطور يذكر في الموسم الفائت حيث ركن أغلب المخرجين لما بين أيديهم من اقتراحات لا بل إن هناك تراجعاً واضحاً على هذا الصعيد.
لقد وجدت الدراما السورية في عام 2010 نفسها أمام تحديات كبيرة لعل أهمها عودة الروح للدراما التلفزيونية المصرية التي أنتجت أكثر من ثمانين مسلسلاً نال عدد منها متابعة كبيرة من الجمهور العربي وحصدت أغلب جوائز مهرجان الإعلام العربي الذي أقيم مؤخراً في القاهرة كما شهدت هذه الدراما نهضة من نوع آخر على صعيدي النص والاخراج بعد أن قررت شركات الانتاج الاستعانة بكتاب ومخرجي السينما المصرية وكان هذا واضحاً في مسلسل (الجماعة) الذي عده مراقبون أهم عمل درامي عربي في عام 2010 فقد استطاع إحداث حراك في المشهد الإعلامي العربي الأمر الذي عجزت عنه الدراما المصرية لأعوام متتالية كانت فيها الأعمال السورية سيدة الموقف وخاصة لجهة الطرح والتناول الفكري العميق الذي انطفأت جذوته أو كادت بعد أن قرر الكثيرون الابتعاد عما يصدع الرؤوس والاستسلام لنظرية (الجمهور عاوز كدا) أو المحطات العربية تريد ذلك فسادت موجة أعمال تجارية لا تحمل أي قيمة ومع ذلك تحصل على جوائز الأعمال الأكثر مشاهدة في مسابقات معروفة وهناك من يرى أن الدراما السورية إذا ما استمرت في السير بهذا الاتجاه فربما تدخل مرحلة (دراما المقاولات) التي سادت في السينما المصرية منذ عقود وهناك من استعمل تعبيراً أكثر وضوحاً وربما أكثر قسوة وتحدث عن تحول الدراما السورية إلى ما سماه (دراما التواصي) وهذا سيكون مقتل هذه الدراما التي كانت حديث الشارع العربي على مدى أكثر من عقد ونصف العقد.
وواجهت هذه الدراما في موسم 2010 مشكلات في التمويل جعلت أغلب الكتّاب يلجؤون إلى تأليف نصوص سهلة التنفيذ ولا تتطلب ميزانيات إنتاجية ضخمة وخاصة أن كثيراً من المنتجين السوريين تحولوا إلى أدوات تنفيذ لدى المحطات العربية حيث انتشرت موضة (المنتج المنفذ).
وبدأت في موسم 2010 تتكرس أكثر وأكثر دراما النجم الأوحد السائدة في الدراما المصرية التي قادتها إلى شفا حفرة كادت تسقط فيها قبل أن تنتبه لنفسها وتغير من توجهها وحذر نقاد ودراميون معروفون من التبعات السلبية لدراما النجم الأوحد وخاصة الشباب منهم الذين يحاولون مواجهة هذه الموجة التي يبدو أنها ستغمرهم في النهاية وتمر مادام النجوم أنفسهم يدفعون باتجاه هذا التوجه الذي يضمن لهم أجوراً خيالية لم يدر في خلدهم يوماً أنهم سيحصلون على نصفها وربما سوف نشهد في أعوام قادمة محاولات جادة من شركات الانتاج لصنع نجوم آخرين في محاولة للتخلص من (تغوّل) النجوم الحاليين الذين باتوا يتدخلون في كل شاردة وواردة وغالباً ما تأتي نتائج تدخلهم مخيبة للآمال.
وشهد موسم 2010 محاولات لإعادة الكوميديا إلى الواجهة الدرامية وقد فشلت هذه المحاولات باستثناء الجزء الثاني من مسلسل (ضيعة ضايعة) الذي لم يعرض سوى على محطة واحدة وأعتقد أن أغلبية المشاهدين ينتظرون عرضه الثاني رغم أن خاتمة العمل تركت أثراً كاوياً لديهم.
وقد تعرض الجزء السابع من مسلسل بقعة ضوء لانتقادات لاذعة وحاول صناعه التبرأ منه وتبادلوا كرة اتهامات ولكن هذا لم يمنع الشركة المنتجة من الشروع بالتجهيز لجزء ثامن ولكن بمشرف جديد هو الكاتب مازن طه ومخرج جديد هو عامر فهد.
كان واضحاً اهتمام الدراما السورية في موسم 2010 بعالم ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال مسلسلي (وراء الشمس) و(قيود الروح) وربما كان لهذين العملين أثر كبير لدى المشاهدين نحتاج إلى أعمال أخرى لتعزيزه وخاصة أن عالم هذه الفئة المظلومة اجتماعياً واسع وكبير ويحتمل الكثير من الأعمال الدرامية الهادفة التي تخفف من وطأة المجتمع على أناس ابتلاهم الله بالإعاقة وقد اعترفت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل أن الدراما السورية استطاعت أن تحقق من خلال هذين العملين ما عجزت عنه الوزارة على مدى أعوام طويلة.
في موسم 2010 حاول كتاب ومخرجون استعراض مقدرتهم على السباحة ببحر قضايا تتعلق بالثالوث المحرم.
وقد وقع الدراميون السوريون في موسم 2010 بحرج شديد حيث فسحت لهم الرقابة المجال ووسعت هامشها لدرجة غير متوقعة وظهرت أعمال درامية خاضت في الكثير من القضايا الحساسة سواء في الجنس أم في الدين أم في السياسة وقد أثارت هذه الأعمال حفيظة البعض وخاصة أن البعض منها لامس هذه القضايا بشيء من الخفة والسطحية والاستسهال الشديد حيث لم يقدم كتابها قراءة عصرية عميقة لقضايا باتت اليوم الشغل الشاغل لأجيال كاملة وجدت نفسها محاصرة بأسئلة وهي تحتاج إلى من يساعدها على تقديم أجوبة لها تكون بوصلة تحدد لها معالم طريق نحو المستقبل.
ومن الإيجابيات في الموسم الفائت زيادة رقعة التعاون السوري المصري في المجال الدرامي الذي تجلى في العديد من الأعمال حيث شارك نجوم مصريون في مسلسل (أنا القدس) الذي تعاون سوريون ومصريون في إنتاجه وإنجازه كما شهد موسم 2010 تعاون السوريين والمصريين في مسلسل (كليوبترا) للكاتب قمر الزمان علوش والمخرج وائل رمضان والنجمة سلاف فواخرجي كما استمر وتعزز وجود نجوم سوريين في الدراما المصرية حيث لعب الفنانان جمال سليمان وباسم ياخور بطولة عملين حققا أعلى نسبة مشاهدة في مصر كما تعاون الدراميون السوريون والمصريون في إنجاز عمل تاريخي مهم هو (سقوط الخلافة) الأمر الذي يؤكد عدم وقوعهم في فخاخ إعلامية نُصبت لهم لتكريس حالة المنافسة السلبية بينهم ويبدو أن موسم 2011 سيشهد مزيداً من التعاون بين الدراما السورية والمصرية على صعيدي المشاركة في أعمال مشتركة أو الإنتاج وكلها خطوات جادة للوصول إلى تحقيق توءمة حقيقية بينهما، وخاصة أن الأعمال الكبرى تتطلب هذه التوءمة والتي في حال تحقق جزء منها فإن نقلة مهمة تنتظر الدراما العربية.
وحافظت المهرجانات العربية التي توزع جوائز على الدراميين العرب على تقاليدها ولم تستطع أن تخرج نفسها من دائرة الشك والمجاملات سواء في الأردن أو سورية أو مصر حيث كرست سياسة التوازنات والأمر الجيد أن هذه الجوائز لا تلعب أي دور في توجيه بوصلة الدراما العربية من قريب أو من بعيد، ورغم ذلك خرجت الدراما السورية خالية الوفاض من مهرجان القاهرة للإعلام العربي باستثناء مسلسل (القعقاع بن عمر التميمي) الذي نال الجائزة الذهبية عن الأعمال التاريخية ولكن هذه الجائزة ذهبت إلى الجهة المنتجة وهي (تلفزيون قطر).
انتهى عام آخر في مسيرة الدراما السورية وابتدأ عام جديد حيث دارت الكاميرات لأعمال كوميدية واجتماعية وتاريخية وعادت الماكينة الدرامية للعمل بعد استراحة قصيرة مع توقعات باستمرار السلبيات التي تحدثنا عنها وربما تفاعلها أكثر ولكن من الإيجابيات أن مؤسسة الإنتاج الدرامي التي تتبع وزارة الإعلام وجرى تأسيسها لتكون حائط أمان للدراما السورية قد شرعت بالفعل في إنتاج أعمال خاصة بها وسوف يشهد العام القادم رسوخ هذه المؤسسة في المشهد الدرامي السوري وهذا ما سيعطيه قوة وتنوعاً وثقة وخاصة إذا جرى تعاون حقيقي بينها وبين القطاع الخاص على صعد عدة.