2012/07/04
طارق الشناوي – الشرق الأوسط كيف ولماذا نحب؟ هل الإنسان ينحاز إلى المثاليات؟ كل منا يبحث عن الجوانب الإيجابية في الطرف الآخر، أو ما يعتقد أنها كذلك، وعندما يعثر عليها تبدأ مشاعر الحب في التوهج بالإعلان عن نفسها متجاوزة كل الفروق ومتخطية كل الحواجز ومتسامية على كل التناقضات. نتابع في فيلم «صائد الجوائز» The Bounty Hunter زوجين سابقين، كلا منهما لديه حياته الوظيفية الناجحة الضابط «جيرارد باتلر» الذي صار الآن أحد نجوم هوليوود الكبار، والممثلة متعددة المواهب صاحبة الابتسامة والطلة الكوميدية «جنيفر أنيستون»، إنها المحققة التي تبحث عن الحقيقة. «باتلر» إنسان بوهيمي.. نرى ذلك في الكثير من اللمحات. عندما يتسلل إلى شقة «جنيفر» يملأ الشقة بالنفايات والأوحال ولا يسلم حتى السرير من تلك المعاملة القاسية، ربما ليجيب السيناريو من دون إطالة عن سؤال تردد داخل المتفرج وهو لماذا انفصلا.. كاتبة السيناريو سارة ثورب والمخرج إندي تينانت يزرعان بذكاء المعلومات عن الزوجين، التي تتجسد أمامنا تدريجيا. كل من الزوجين ذهب إلى طريق بعد فترة زواج قصيرة، ولكن الأقدار وضعتهما معا هذه المرة ولكن في معادلة أخرى وهي التضاد.. فلقد اضطرت «جنيفر» للهروب من حكم قضائي يطاردها بالسجن، وهي المهمة التي يسعى زوجها السابق لإنجازها ويحدوه الأمل في الوصول إليها للقبض عليها لإنجاح تلك المهمة.. يلعب السيناريو دراميا على المفارقات بينهما، هكذا تلجأ الكاتبة إلى استخدام هذا السلاح الدرامي للتعبير عن التناقض، ودائما ما يحدث انقلاب درامي يؤدي بالتأكيد إلى الضحك وزيادة مساحته. في كل مشهد يلعب المخرج على فكرة تتكرر كثيرا هي اختلال موازين القوة بين الطرفين، مرة يصبح «باتلر» هو المسيطر، وهكذا مثلا يضع يد «جنيفر» مقيدة في السرير، ومرة أخرى هي التي تتمكن من السيطرة عليه باستخدام جهاز كهربائي يشل قواه العصبية.. يلعب السيناريو كثيرا على المفارقة الدرامية حيث إنه دائما ما يعلم المتفرج ما لا يعلمه الأبطال.. مثلا يذهبان إلى نفس الفندق الذي شهد لقاءهما العاطفي الأول.. صاحبا الفندق يعتبران هذه الزيارة هي هدية من السماء لهما ويقدمان لهما نفس الغرفة التي شهدت ليلة الزفاف.. بينما ينتهي الأمر بأن نرى «جنيفر» تغادر المكان هاربة و«باتلر» يلاحقها بعد أن نزع معه جدار السرير من أجل ملاحقتها. ثم ينقلب الموقف ونجد صاحبي الفندق في المشهد الأخير يؤكدان أنهما غير مرحب بهما ثانية في الفندق.. في بحث البطلة الدائم لتكشف فسادا في جهاز الأمن تشك في تورط أحد من الشرفاء، صديق الضابط «باتلر»، ثم تتأكد تماما أن هذه الشكوك لا أساس لها من الصحة، وينجح المخرج في المزج طوال أحداث الفيلم بين الحالة العاطفية والكوميدية بين الطرفين لتنجح تلك الحالة الإبداعية. بناء السيناريو قائم على أن يمنح المتفرج المعلومات، من خلال كل مشهد نتعرف على جانب يوضح تلك العلاقة الشائكة بين الزوجين. مثلا عندما يلتقيان في ملعب سباق الخيل، هو يستطيع أن يقرأ دائما أفكارها قبل أن تشرع في التنفيذ.. هكذا مثلا عندما تحاول وهي مقيدة أن تسرق المسدس، يكتشف ذلك عندما تهرب منه مسرعة، يقابلها دائما في المكان الذي تشعر بمنتهى الأمان عندما تصل إليه.. عندما تركب عجلة للهروب يكتشف في اللحظة المناسبة مكانها، واللحظة المناسبة هي تلك التي تشعر فيها بالأمان.. ثم يصبح مصيرهما واحدا عندما يكتشفان أنهما أيضا مطاردان من قبل العصابة، وهكذا تجمعهما المصلحة الواحدة المدعمة بالحب.. من المشاهد التي قدمت بقدر كبير من خفة الظل، محاولة «باتلر» لمطاردة «جنيفر» في ملعب الهوكي.. وبينما هو يجري مسرعا يجد نفسه معرضا لقذائف من كرات الهوكي تنهال عليه واحدة بعد الأخرى.. استخدام ذكي جدا على مستوى حرفية كتابة السيناريو والإخراج لمفردات المكان.. أداء جيد بالطبع لبطلي الفيلم ونجاح المونتاج في القفز والانتقال الذكي بين اللقطات. ما هي ملامح التفوق في هذا الفيلم؟ إنها أساسا قائمة على تلك الهارمونية بين البطلين، المزاج الفني الكوميدي الواحد. المخرج وضع بطليه دائما في حالة سوء تفاهم نظرا لأن كلا منهما لديه انطباع سيئ عن الآخر يضعه في قفص الاتهام. حتى في عز وصول البطلين إلى ذروة عاطفية، يحيلها السيناريو في لحظة إلى ذروة في الشجار والعنف، يلعب فيها الانتقام دور البطولة. الأجواء التي يقدمها الفيلم تلعب أيضا على الشخصيات الثانوية بذكاء، مثل زميل «جنيفر» في العمل الذي يشعر بميل عاطفي إليها ونتابعه في الكثير من المفارقات وهو يحاول أن يصل إليها.. أو أم «جنيفر» التي يختار السيناريو لحظة وهي تضع المكياج على وجهها، وهي تبحث عن دوافع جريمة انتحار، وتعتقد أن ابنتها هي التي تريد الانتحار.. أغلب ما نشاهده من مفارقات داخل هذا الفيلم ليست جديدة بالطبع على المشاهد، فلا يوجد ابتكار في تلك المواقف، أنت بشكل أو بآخر شاهدت الكثير منها من قبل. ولكن في الفن يأتي دائما التعبير والأسلوب والمعالجة الحديثة للفكرة، فهو يبدو في كثير من مواقفه تكرار ما سبق تكراره ولكنه أشبه بعملية - التكرير - التي ارتبطت بقصب السكر، أي إنها تجعله صالحا وبلا شوائب.. أتصور أن هذا هو تحديدا ما قدمه المخرج في فيلمه «صائد الجوائز» فهو لا يدهشك بفكرة أو ابتكار درامي، لكنه يعيد ما هو محفوظ لدى المشاهدين معتمدا على تلك الهارمونية بين نجميه. وهو ما أدى إلى أن ينقل هذه الحالة إلى الجمهور، ونعتقد أن «جنيفر» و«باتلر» بالفعل في حالة حب، لكنه حب درامي. من فرط نجاحهما أمام الشاشة صدقهما الجمهور وبدأت الجرائد العالمية تشير إلى أنهما في حالة حب بعيدا عن الشاشة.. ونعود للسؤال الأول كيف ولماذا نحب وعلى أي أساس نختار؟ نكتشف من خلال تتابع الأحداث أنه من الممكن للقطبين المتنافرين موضوعيا أن يلتقيا عاطفيا.