2017/04/07
بوسطة - بشار عباس
الفعل الدّرامي المعطوب بالحوار
- ب-
-ب- اقتراب من محاولة تعريف:
بغرض الوصول إلى تعريف ل الفعل الدرامي The Action، فإنّ السّطور اللاحقة سوف تتضمّن على أحد عشر مثال، وهي منتقاة على عجالة للتّوضيح، والأرقام التّي تظهر خلال الكلام ليست من النصوص الأصليّة، بل هي من وضعي لتوضيح معنى "النّقلة" في الفعل الدّرامي:
نماذج من الفعل الدّرامي The action في مرحلة النصّ الدّيني :
في حادثة سرقة عشبة الخلود – ملحمة جلجامش:
-1- أبصر جلجامش بركة ماء ماؤها باردة -2- فنزل فيها ليغتسل -3- فشمّت حيّة (صل) عرف النبات وخرجت من الماء واختطفت النبات -4 - وفي عودتها نزعت عنها جلدها -5- فجلس جلجامش عند ذاك وأخذ يبكي.
عند إنزال آخيل بماء الخلود – طروادة:
-1- فقد نامت الأمواج، واستقرّ سطح الماء، ونامت شياطين النّهر الهادر، -2- فتقدمت الأم المضطربة حاملة ولدها من إحدى رجليه، -3- وغمست آخيل في الماء الهادئ في أقل من لمح البصر -4- وعادت أدراجها فرحة متهللة.
في سفر التكوين، عند قيام نوح باختبار انحسار الطوفان:
-1- وخرج -2- وأرسل الحمامة -3- فأتت إليه عند المساء -4- وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها."
وفي إنجيل يوحنا 2:
-1- وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا -2- فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال -3- وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ -4- وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ.
وفي الكتاب نجد في يوسف 25:
-1- ولقد همت به وهمّ بها لولا أن .. -2- واستبقا الباب -3- وقدّت قميصه من دبر – 4- وألفيا سيّدها لدى الباب. "
نماذج من الفعل الدّرامي في مرحلة الرواية الحديثة:
البؤساء – فيكتور هوغو:
-1- وهاهو ظلّ رجل ضخم يقترب من خزانة التحف -2- إنّه جان فالجان يفتحها ويأخذ شمعداناً وقطع عديدة-3- ثمّ يخرج مسرعاً -4- يعترض طريقه العجوز بملابس النّوم -5- فيضربه بعنف ويخرج.
الأخوة كارامازوف – دوستويفسكي، نجد: -1- الولد كان عائداً من المدرسة -2- فشاهد والده يتعرّض للضرب من السيّد ديمتري الذي يمسكه بلحيته بيد،ويصفعه باليد الأخرى -3- فألقى حقيبته وركض -4- وأمسك بيد ديمتري وارتفعت قدماه في الهواء ..
العجوز والبحر – همنغواي:
ذلك النوع من الأسماك الكبيرة لا يتجوّل إلّا بصحبة أنثاه ومن عادته أن ينتظرها لتأكل قبله، -1- وهكذا أكلت الطّعم – 2- فقمت باصطيادها ورفعها إلى سطح المركب -3- ثمّ أخذ الذكر يحوم باضطراب حولنا ثمّ اختفى للحظات وصدر صوت طشيش مع ارتفاعه فجأة في الهواء قافزاً من الماء -4- وفي أعلى نقطة نظر بعين واحدة إلى أنثاه -5- ثمّ نزل مُحدثاً اضطراباً عنيفاً في الماء واختفى بعد ذلك.
في مرحلة النصّ الفيلمي الروائي:
في نصّ فيلم اضواء المدينة – تشارلي تشابلين – المشهد الأخير:
-1- الصعلوك يسير وحيداً ببنطلون ممزق عند مؤخّرته -2- يقترب ولدان من باعة الصحف وأحدهما يمسكه من الخلف بالقطعة الممزقة فيلتفت إليهما ويطاردهما بغضب وهما يضحكان منه ويسخران-3- بائعة الزهور واقفة مع امها خلف زجاج المحل تضحك وهي تشاهده – 4- يلتفت ليغادر فيراها قبالته تماماً ويتسمّر في مكانه -5- ينظر إليها مبتسماً
في نصّ فيلم كازابلانكا - في صفحة 10:
-1- رجل بيده شيك صرف يقترب مبتسماً من طاولة -2- يضع الشيك بجانب كأس ويسكي -3- يد بجانب الكأس توقّع الشيك فيأخذه الرجل وينصرف -4- اليد ترفع الكأس وترتشف: إنّه السيّد ريك جالس بمفرده يشرب.
في نصّ فيلم ذا غاد فاذر (العرّاب) صفحة 5:
-1- الرجال يجلبون الكاميرا إلى بارزيني -2- يفتحها -3- ويزيل الفيلم و"يجعلكه" -4- بينما توم يتجه إلى زوجته تيريزا الجالسة إلى طاولة الاستقبال.
انتهت الأمثلة.
إنّ محاولة ذكر أمثلة عن الفعل الدّرامي The action لا تُحصى، وهو يظهر في الملحمة، والرواية الحديثة، والنصّ الفيلمي الطّويل بنفس الطّريقة، وصف لما يقوم به أو يتعرّض له الشخصيّة، وذلك بصرف النظر – تماماً ونهائيّاً – عن الحوار The dialogue، مع ان الحوار قد يأتي في أحيان كثيرة كتقديم للفعل الدّرامي، او كخاتمة له، وقد يتخلّله؛ إنّ علاقة الفعل الدرامي بالحوار مسألة لاحقة سوف تتم مناقشتها وهي التي تحكم جودة الحوار.
إن من سمات الفعل الدّرامي أنّه مرئي، تكفي المشاهدة لكي يكون مفهوماً بالكامل، وعندما يتألق وفق شرطه هذا ينطبق على الفيلم صفة: عابر للحدود، غير قومي وغير لغوي، كما أنّه أساس عنصر التعليق – يُدعى التشويق باللغة الدارجة – فالإنسان يندمج فوراً بمشاهدة فعل متطوّر له معنى.
ومن سماته أيضاً أنّه وإن كان يأتي ككتلة ضمن بناء القصّة، غير أنّه يحتوي على "نقلات" سرديّة تسعى إلى نتيجة وهي النقلة النهائية، ومن سماته أيضاً أنّ زمن وقوعه غير طويل – نسبةً إلى طول زمن المشهد المسرحي – وأخيراً: كونه يُدرك مرئيّاً بالمشاهدة فإنّه يتضمّن على حركة، وعلى مرور زمن وتطوّر، فالدراما: حركة، والفعل الدّرامي هو جوهر الدّراما.
إنّ الدراما كقصّة أدبيّة مؤدّاة تمثيلاً، هي شيء آخر غير القصّة المقروءة المتخيَّلة، فهل يجوز وجود فعل درامي ضمن أحداثها ؟ إنّ تعمّد الكاتب – القاصّ- ان يصنع فعل مرئي حركي ليترك للقارئ فرصة مُشاهدة، بان يقرأ ويُشاهد تخيّلاً تجعله متضمّن في القصّة المقروءة، ويكون عندها مطابقاً للفعل الدرامي في النصّ الفيلمي المكتوب، قبل مرحلة الإخراج،ولذلك قد يكون تحويل رواية إلى فيلم يقوم أساساً، وكإجراء أوّلي، على شطب كل ما هو ليس فعل درامي، تبقى سمة أيضاً للفعل الدّرامي: إنّه يحدث الآن، ولذلك يأتي بصيغة الفعل المضارع، وعندما يأتي بصيغة الماضي – نادراً – في الرواية، فلأنّ الكاتب يفترض وقوع الفعل في زمن سابق على فعل القراءة نفسه، ولكن أثناء القراءة يذهب القارئ إليه، ويتمثّله: الآن.
النّقاط السّابقة تجعل بالإمكان الوصول إلى تعريف بسيط للفعل الدّرامي The Action :
الفعل الدّرامي The Action ، هو: تفصيل أو حدث واضح ومُدرك بالمشاهدة المرئيّة وذلك بمعزل عن الحوار، تقوم به الشّخصيّة، أو تتعرض له فتستجيب، بما يدفع القصّة في تطوّر جديد إلى الأمام، مما يؤدّي إلى تغيُّر عالم الشّخصيّة.
إنّ الفعل الدّرامي على الخشبة يتعرّض لثلاثة مسبّبات عطب: فهو:
أولاً: غير واضح بالمشاهدة مرئيّا، بسبب الديكتاتوريّات المسرحيّة الأربعة: المسافة الجامدة، الموضع الجامد، الزاوية الجامدة، والحركة المعدومة للجمهور.
وثانياً: يحدث في مكان غير واقعي، غير حقيقي، تجريدي، فيأتي ذلك الفعلِ تجريديّاً أيضاً، بما يمنع الشخصيّة من القيام بفعل حقيقي، او باستجابة حقيقيّة، فواحدة من جهود الممثل – مثلاً- إقناعنا بأنّ الغصن الصغير بجانبه يعني فصل الربيع، فيكون جهده في الأداء المعبّر عن استمتاعه بنسمات الربيع منصرف إلى جعلنا نصدّق ما لا نراه.
ثالثاً: طول زمن المشهد المسرحي، في تضاد مع قصر زمن الفعل الدرامي ب "النقلة" الّتي تمتدّ من ثلاث نقلات إلى خمسة، واحياناً أكثر، فياتي الفعل الدرامي إمّا ككتلة قصصية واحدة مسبوقة او ملحوقة بزمن حواري طويل، أو يتمّ توزيع نقلاته بجعلها متباعدة فيما بينها، بعد حشو الفراغات بالحوار.
اليوم قد نرفض أو نقبل الرأيين التّاليين لمنظّري الدراما الأوائل : سقراط الذي اعترض على المسرح لأنّه يوحي للجمهور بقيم شريرة، يقول في الجمهوريّة: "إنّكم في مسرحيّاتكم ينتصر الأشرار ويحزن الأخيار وهذا لا نقبل به في الجمهوريّة" . وأرسطو الّذي دافع عن المسرح وفق فرضيّة " التّطهير Catharsis – يمكن تسميته بالتّنفيس Purfication أو التفريغ cleansing ، وهي تنقية العواطف بإثارة الشّفقة أو الخوف او الإنتقام من خلال تقمّص الجمهور لأحد الشخصيّات في العرض، بما يُحدث تجديد وترميم في نفسيّة هذا الجمهور؛ ولكنّنا في حال الرفض أو القبول يجب الانتباه أنّه في الرّأيين ثمّة إشارة واضحة إلى تأثير الدّراما على الجمهور؛ إنّ المسرح بتشويهه وتخريبه لمضمون وشكل الفعل الدّرامي،وهو فعل يُكتب وفق محاكاة حدوثه في الواقع،إنّما يؤدّي إلى تشكيل وعي جمهور منفصل عن هذا الواقع،يرى الفعل الدرامي فيه فلا يفهمه،لأنّه اعتاد على مشاهدته مشوّهاً، ثمّ إنّه لا يُجيد الفعل الدّرامي في الحياة الواقعيّة نفسها،وعليه لا يُجيد الفعل بشكل عامّ،فلا يبقى أمامه غير الحوارات الطّويلة، يعيشها كما يُشاهدها، ذلك طبعاً إذا كان المسرح في البلاد على ما يرام، ولكنّه ليس كذلك، بل يغيب فتتفشّى ثقافته التنظيريّة التي تؤدّي إلى العواقب السّابقة؛ خسرنا المسرح،ومع هذا احتفظنا بشروره،هو في الظلّ، وشروره أينما نقلّب الوجوه.
إنّ المسرح، إذا فصلنا عنه عروض الخفّة والسّحر والبهلوانات في السيرك، وفنون الإيماء الصّامت،وفنون الرقص، وإذا نظرنا إليه وفق معنى الدراما كقصّة أدبيّة مؤدّاة، فإنّه فنّ أقرب إلى " السّمعي " منه إلى " البصري "، بما يجعله يبتعد في تصنيفه عن ال " دراما " ككل، إنّه حواريّة مدعومة بقطع ممزّقة من " نقلات" الفعل الدّرامي، وهكذا يمكن الوصول إلى توضيح كيف يقوم الحوار المسرحي بإعطاب الفعل الدرامي، عنوان الفقرة الرئيسي،وموضوع المقال القادم.