2013/05/29
محمد الحمامصي - ميدل ايست أونلاين
على الرغم من كون الفيلم الأميركي "الرفقة الدائمة" الذي عرضه مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في دورته السادسة، يحمل عناصر التشويق الأميركي، إلا أن ثمة رسائل سياسية مهمة منها ما يرتبط بموقف الشعب الأميركي من الحرب على فيتنام وحدود المعارضة وسقف الحرية، ومنها ما يرتبط بأخلاقيات الخلاف السياسي والتنظيمات والمنظمات المعارضة.
ويحمل الفيلم على القيادة الأميركية التي قادت حربا قتل فيها المئات من الطرفين ويدين العنف الذي استخدمته إحدى المنظمات، كاشفا عن وجهة نظر الأخيرة التي تؤكد أنه لم يكن ثمة مفر من العنف إزاء تعنت السياسيين وإصرارهم على هذه الجريمة التي ارتكبت في فيتنام ضد الأميركيين والفيتناميين معا، ويغازل الصحافة ويقدمها وجها شابا ساحرا يبحث عن الحقيقة وكشفها في الوقت الذي تتراخي أو تتهاون أو تتاكسل الشرطة عن فعل ذلك.
وفي الفيلم، يلقى القبض على الناشطة السياسية شارون سولارز لمشاركتها في قتل حارس بنك ميشيغين قبل ثلاثين عاما، أثناء أحداث التظاهر والعنف والاحتجاج الذي شهدته أميركا اعتراضا على الحرب في فيتنام، حيث كانت عضو في تنظيم اتهم بالإرهاب حيث نفذ أعمال متطرفة أثناء الاحتجاجات ضد سياسة حكومة الولايات المتحدة العسكرية في أواخر 1960 وأوائل 1970.
ويفتح الشاب الصحفي شيبارد من صحيفة "ألباني سان تايمز" تحقيقا صحفيا يقود الشرطة إلى أعضاء هذه التنظيم الذين يتخفون ويمارسون أعمالا بأسماء غير حقيقين منذ ارتكاب جريمة البنك التي عمرها 30 عاما، خاصة نيكولاس سلوان الذي يعمل متخفيا كمحامي ويحمل اسم جيم غرانت، وهنا تبدأ الشرطة في مطارته باعتباره إرهابيا هاربا فور معرفتها بمكانه، ليبدأ هو الأخر رحلة البحث عن براءته، وخلال رحلتهما ـ شيبارد ونيكولاس ـ نعيش رحلة من التشويق.
إن حوار شيبارد مع سوزان يظل الرسالة الأساسية للفيلم حيث أعربت عن عدم ندمها لما فعلته، وأنها مثل كل شباب العالم شرقا وغربا خرجت منددة بالحرب الأميركية على فيتنام، تقول "كنا أفرادا وكانت حكومتنا تقتل بالملايين، أصابنا الجنون فاحتججنا وأضربنا وتظاهرنا، وتعرضنا للضرب، الأولاد في عمرنا كانوا يقتلون هناك، الحكومة كانت ترتكب إبادة جماعية، فكان لابد من مواجهة ذلك"، وحين سألها شيبارد "إذا تكرر الأمر هل تعاود الكرة"؟ أكدت أنه ما لم يكن لديها أولاد فسوف تعيد الكرة لكن هذه المرة بشكل ذكي ومختلف، فالمعارضة يمكن أن تكون خطرة.
هذه الرؤية التي تؤكد أن المؤمنين بقضية ما لا يفقدون إيمانهم مهما طال بهم الزمن ومهما أثر ذلك على مسيرة حيواتهم، وها هي ميمي لوري عضو التنظيم الذي يبحث عنها نيكولاس طول الفيلم باعتبارها الشاهد على براءته من التواجد في حادثة البنك، تؤكد هذه الرؤية وتدعمها، فحين تلتقي نيكولاس نتعرف على جانب من الأسباب التي لم تدفع بعض أعضاء التنظيم المتهمين لتسليم أنفسهم وفقدان إيمانهم بقضيتهم "لن أسلم نفسي لنظام أحتقره، يحمي الأثرياء والأغنياء، فقط عندما يقوم السياسيين والمسئولين بتقديم أنفسهم للعادلة عن الجرائم التي ارتاكبوها سوف أسلم نفسي". لكن ميمي لوري تسلم نفسها حفاظا على حبيبها وأبو ابنتهما التي تبناها محقق الشرطة وقت ارتكاب جريمة قتل حارس بنك ميشيغين.
وتلقي أخلاقيات العلاقة بين المعارضة والسياسيين بظلال واسعة على الفيلم، فجميع أعضاء التنظيم لم يفقدوا إيمانهم بقضية الحريات والديمقراطية سواء منهم تاجر الأخشاب أو الأستاذ الجامعي، أو نيكولاس الذي كان يعمل باسم جيم غرانت محاميا يدافع عن العمال والحريات، ويميل إلى جانب المعارضة السلمية وإن اختلف في ذلك مع حبيبته السابقة ميمي لوري ومع سوزان سولارز.
وعلى الجانب الآخر، نرى عدم سقوط ملفات الجريمة أو نسيانها، فبمجرد تكشف خيوطها بدأت استيقظت الشرطة لتتابع عملها معترفة بفشلها على مدار ثلاثين عاما في القبض عليهم.
عنصر التشويق في هذه الدراما السياسية واكبه سيناريو متميز وأداء تمثيلا تقليديا رائعا تجلى واضحا في الأجواء الإنسانية التي نسج الفيلم في إطارها، فهؤلاء الذين لم يروا بعضهم على مدار ثلاثين عاما لم يفقدوا روح المخاطرة والتكاتف على الرغم من الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها أحدهم جراء استقباله للهارب نيكولاس بما فيهم شقيقه الأصغر، كذلك العلاقة بين نيكولاس وابنته الصغيرة.