2012/07/04
سامر محمد إسماعيل - تشرين
وقت طويل مرَّ على غياب الإعلامي فيصل القاسم قبل أن يظهر الثلاثاء الفائت من جديد في برنامجه «الاتجاه المعاكس» مستضيفاً كل من ميخائيل عوض ومحمد عارف كيالي في حلقة أولى بعد غياب متقطع على شاشة الجزيرة القطرية
وليكن محور برنامج «القاسم» اللحظة السورية كفاتحة ربما لتعديل -ولو بسيط- من أحادية قناة «الرأي والرأي الآخر» إذ ولأول مرة تناقش القناة القطرية الرواية السورية بعد أن خسرت الكثير من مهنيتها في الأشهر الستة الماضية، متحولةً من قناة إعلامية لها مصداقيتها إلى منصة تحريض لا نهائية على سورية والسوريين، فالجزيرة التي عطّلت معظم برامجها منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس بحجة تغطيتها لما أسمته «ربيعاً عربياً» رمت بنفسها في مزالق لا يحمد عقباها؛ مقامرةً بما يقارب خمسة عشر عاماً من تاريخها المهني بعد افتتاحها في عام 1996.
في حلقة «الاتجاه المعاكس» بدا القاسم وكأنه عائد من إجازة طويلة، إجازة لم تلزمه إلا «بالمعاكس» وبشخصيته التي أتقنها على مدى عقد ونصف أمام كاميرا الجزيرة، فشخصية محامي الشيطان تلك التي يتقنها ذلك الإعلامي جعلته هذه المرة يلعب من جديد على ما يسميه علماء الإعلام «بالحقيقة الإعلامية» تلك الحقيقة التي لا وجود لها في صياغة التقرير أو التعليق السياسي أو حتى نشرات الأخبار، فالقاسم يعلم وهو الدارس والمدرّس للإعلام البصري أنه في المؤسسات الإعلامية الرأسمالية كالجزيرة يتحول الإعلام إلى كلب سيده، قاعدة جوهرية اتبعها فيصل «المعاكس» مطبقاً وصفة أخرى للخداع واللعب بجدول الأولويات، فالبيضة والحجر يتنافس عليهما دائماً ديكان أو ثوران في برنامجه، ينوء كل منهما في إثبات مقالته ورأيه، فيما يلعب القاسم من جديد على تفاصيل صغيرة لدعم أجندة مؤسسته، تلك التفاصيل التي ربما لا تتعدى الهمهمات أو هز الرأس، أو المقاطعة على ضيف من دون آخر عبر إيماءات اليد والتطييب والسخرية والتململ، للتوجه بعدها إلى مفصلة هذه المبارزة الكلامية بأسئلة أو بيانات أو مقطع من مقال صادر في إحدى الصحف تدعيماً أو إضعافاً لواحد من ضيفي البرنامج المشهور.
من هنا يستعيد القاسم مبادرة إعادة القناة التي أسهم في رسم شخصيتها إلى توازن وهمي، فالضيوف في «الاتجاه المعاكس» معظمهم يتم دفعهم دفعاً لتجريب الدور في حوار أقل ما يقال عنه أنه نوع من أنواع المصارعة، مصارعة يختبر فيها الضيوف مهاراتهم في مقاومة منديل راعي الثيران «الخبر العاجل باللون الأحمر كدلالة على لون خرقة مصارع الثيران»، وهنا لا يتبقى للقاسم ولغيره من مذيعي الجزيرة سوى التلويح بالأحمر العاجل في وجه الجمهور الهائج، لاسيما إذا كان هذا المصارع من ضيوف القاسم، فهذا الأخير لا يدخر جهداً في تحريض ضيفيه المتناطحين إلى الموجات العنيفة الصادرة من أحمر الأخبار وعاجلها، من خفايا المستندات المسرّبة إلى قناة الجزيرة، إلى تكسير طاولة معاكسة، فطاولة الاتجاه المعاكس تتحول إلى حلبة، مجرد حلبة يتخلى فيها الإنسان عن مكانته، فيما يستمر الضيف الآخر في الابتسام والتظاهر بعدم الجدوى من حديث قرينه، حتى تصل الحكاية على الهواء إلى ملاكمة بالأيدي والأقدام، عندئذ «ينجح» البرنامج ويتحول من السياسة إلى رياضة الجودو!.
القاسم يعود إذاً لإعادة الاعتبار لقناة «الجزيرة» أو لوهم اسمه «الرأي والرأي الآخر» لاسيما بعد أن بالغت القناة القطرية في تمترسها وراء رواية شهود العيان التي اعتبرها مدير القناة المستقيل وضاح خنفر بمنزلة استراتيجية مستقبلية للجزيرة لا بديل عنها ضارباً كل معايير المهنية والمصداقية، أسلوب حرَف القناة عن نهجها الإعلامي، ووضعها دفعةً واحدة أمام مواجهة مشاهديها الذين لن يعني لهم ظهور الاتجاه المعاكس شيئاً، بقدر ما هم سيتأملون الإعلامي السوري يقوم بدور محاماة ينقلب فيه السحر على الساحر، فالقاسم الذي أحرز مجد التلفزيونات العابرة للقارات يبدو أقل حماساً، وذلك في ظل خطف الشاشات العربية من أصحابها لتكون تحت إمرة النفط العربي الجاهل، هذا إذا تذكر أن ما يحدث اليوم ليس في أفغانستان بل في بلاده.