2013/05/29
جوان جان- تشرين
هل صحيح أن طولَ عهد الإعلامي في إعداد وتقديم برنامج ما يمكن أن يصيب هذا البرنامج بالصدأ؟ وهل صحيح أن الفترة الزمنية الطويلة التي يقضيها إعلامي ما في إعداد وتقديم أحد البرامج يمكن أن يؤدي إلى شيء من الاستسهال في تناول الموضوعات واختيار الضيوف؟
وهل من المحبَّذ أن يتناوب على تقديم برنامج تلفزيوني محدد عدة مقدِّمين كي لا يصاب هذا البرنامج بداء التكرار وكي لا يقابله الجمهور كل أسبوع بعاصفة من السباب والشتائم؟. من جهة أخرى أليس من حقِّ مقدِّم برنامج تلفزيوني ما أن يتمسّك ببرنامجه خاصة إذا كان هذا البرنامج بمنزلة صنبور لا ينقطع من الأموال المشروعة التي يتقاضاها من المحطة والأموال غير المشروعة التي تصله ممن يروِّج لمشروعاتهم عبر برنامجه؟ أليس من حق هذا المعدّ والمقدِّم أن ينتقي ضيوفه ممن يريد أن يلمِّع صورتهم من على أرصفة شوارع العالم ويقدمهم كمفكِّرين ومحللين وقادة وسياسيين؟ وأخيراً أليس من حقه أن يدير برنامجه الحواري بالأسلوب الذي يشاء حتى ولو كان هذا الأسلوب قائماً على إهانة الضيوف الذين يرفضون أن يبيعوا ضمائرهم ويبازروا على أخلاقهم؟.. هذه الأسئلة وغيرها تتبادر إلى الذهن مع كل حلقة جديدة من البرنامج الشهير شهرة الفضيحة "الاتجاه المعاكس" الذي يعدّه ويقدمه الإعلامي فيصل القاسم الذي نقل الإعلام العربي بجدارة إلى مرحلة الغوغائية من خلال أسلوب فريد في إدارة الحوار، أسلوب قائم على الاستفزاز وتزوير الحقائق وسرد الأكاذيب وإيراد الشواهد المجرّدة من المكان والزمان والهوية.
والواقع أن الحلقة الأخيرة من هذا البرنامج التي بثّت في تاريخ التاسع من الشهر الحالي كانت بمنزلة كارثة بالنسبة لقاسم وقع فيها في شرِّ أعماله عندما بلغ استهتاره وثقته المرضية بنفسه حدِّ تقديم حلقة لم يبذل فيها أدنى جهد في الإعداد ووضع الأسئلة المناسبة لضيفيه، فكان دأبه بالنسبة لضيفه الأول الأستاذ شريف شحادة عضو مجلس الشعب طرح سؤال واحد عليه من بداية الحلقة وحتى نهايتها ولكن في كل مرة بديباجة مختلفة من المفردات والعبارات من دون أن يزيح قيد أنملة عن المضمون الواحد للسؤال، مع عدم تخلّيه بالطبع عن الأسلوب الردحي في طريقة طرح السؤال وهو الأسلوب الذي أصبح يصيب المشاهد بالغثيان. أما ضيفه الثاني فيبدو أن القاسم قد لعن الساعة التي فكر أن يستضيفه فيها بسبب ضعف حجّته واهتزاز منطقه واعتماده على خطاب طائفي بغيض لم يتزحزح عنه رغم كل محاولات فيصل قاسم استجراره نحو تقديم طروحات مختلفة لا تجعل الضيف وحليفه قاسم موضع استهزاء وازدراء، لكن جميع محاولات قاسم ذهبت سدى عندما أصر الضيف على أن يقدم وجهة نظر متعفنة شأنها شأن الفكر المتخلف الذي يمثله، وهو الفكر الذي أصبح يشكل اليوم الخطر الأكبر على السلم العالمي، الأمر الذي أخذت بعض الدول الأجنبية والشعوب العربية تعيه مؤخراً، ولكن نخشى أن نقول إن ذلك حدث بعد فوات الأوان؟!
«الاتجاه المعاكس» ومقدمه في حالة انحدار دائمة تعكس حالة الانحدار التي تتخبّط فيها فضائية «الجزيرة» وهي تتحول إلى خير معين لكل من يتربّص شراً بهذه الأمة، ونخشى أن يأتي يوم ونقول فيه إن الفضائيات التي هللنا لها يوماً لأنها غيّرت اللون الواحد للإعلام العربي هي نفسها التي ساهمت في جعل هذا الإعلام رأس حربة في يد من يعمل ليل نهار لا على القضاء على ماضينا وحاضرنا فقط، بل وعلى مستقبل أبنائنا أيضاً.. وهنا الكارثة الكبرى التي نصنعها لأنفسنا بأيدينا.