2013/05/29
وائل العدس – الوطن السورية
رفيق سبيعي هو ذلك الفنان السوري الكبير الذي لم نعرف عنه إلا أنه «أبو صياح» تلك الشخصية الشامية الشجاعة التي طالما نصرت المظلوم ودعت لفعل الخير.
هو فنان الشعب الذي ينتمي إلى الجيل المؤسس للدراما السورية من خلال الأعمال التي قدمها مع الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي ومحمود جبر وياسين بقوش وغيرهم، بل هو «قبضاي» و«عكيد» وزعيم الحارة الشامية والآمر الناهي فيها بحكمته وفطنته في إدارة الحارة وحل مشاكل أهلها.
«أبو صياح» كان أقوى من كل الشائعات التي ترددت مؤخراً، فتغلب على مرضه وطمأن محبيه أنه بخير متابعاً مشواره الفني الذي يمتد لأكثر من ستين عاماً.
ذاق المرارة قبل الحلاوة، وعانى من القسوة والتشرد من أجل الفن الذي أحبه، قبل أن يسير على طريق المجد والشهرة، فطرده والده من المنزل لكنه بقي مصمماً على متابعة خطه الفني، ومن صور معاناته أنه سافر ضمن فرقة إلى اللاذقية لتقديم العروض لكنهم فشلوا وأفلسوا فاضطر إلى رهن بطاقته الشخصية مع سائق الباص لإعادته إلى دمشق على أن يدفع له الأجر بعد أن يعمل، ومرة ثانية سافر إلى حلب لتقديم عروض مسرحية لكنهم تعرضوا إلى إخفاق شديد، وتكرر الأمر في دير الزور وحمص.
أيام الطفولة
ولد سبيعي في 14 تشرين الثاني عام 1932 في بيت عربي متواضع يقع في حارة بين البحرتين جانب قصر العظم وكان مكوناً من بضع غرف وفيه بحرة وحديقة تحوي بعضاً من الأشجار التي تشتهر بها دمشق كالنارنج والياسمين والليمون.
كانت البيئة الدمشقية التي عاشها محافظة جداً، لدرجة أنه عندما كان يخرج من المدرسة إلى العطلة الصيفية، يرغمه أهله بمدرسة دينية خلال الصيف، لتعلم القرآن والتجويد والأذان والإمامة، ومع ذلك كانت حياته حلوة بعفويتها وصدقها وصبر الناس على الشدائد.
الشامي الأصيل
ما يعرفه سبيعي في ذاكرته أن عدد سكان دمشق (300) ألف نسمة حتى الخمسينيات، ولا ينسى تلك المرة التي صعد فيها بالطائرة أوائل الستينيات في رحلة من حلب إلى دمشق، عندما علم كابتن الطائرة بوجوده دعاه إلى المقصورة وشاهد بأم عينه هذا المنظر الرائع لمدينة دمشق الخالدة وهو عبارة عن فيلا كبيرة حولها حديقة خضراء زاهية من كل الاتجاهات.
كانت حارته الشامية بيتاً واحداً والجميع يعرفون أخبار بعضهم وتسود علاقات التراحم والتواصل بينهم والجار يسأل عن جاره باستمرار وإذا حدث له مصاب فكل الحارة تتنادى لتنقذه منه ولهذا تسير الحياة بسهولة، على حين الآن يسكن ببناء طابقي عدد شققه أكبر من عدد منازل حارتين.
مشواره الفني
كان الغناء هو الفن السائد في دمشق عندما كان طفلاً في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان تعلقه بالغناء كبيراً لدرجة أنه لم يكن يكتب وظائفه المدرسية إلا على صوت «الفرامافون» وأغنيات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وليلى مراد وفريد الأطرش، وكانت يده تتوقف عن كتابة الوظيفة عندما يتوقف دوران الأسطوانة فيطلب من والدته إدارة الجهاز من جديد.
لاحظ أهله اهتمامه بالغناء وظهرت الخشية من أن يتجه إلى الغناء ويصبح مطرباً، خاصة أن بيته بيت تدين.
طلب أهله من شقيقه الكبير أن يصطحبه معه إلى الجامع حيث الصلاة والقرآن الكريم وحلقات الذكر، وبالفعل كان يذهب معه إلى حلقات الذكر، فيشعر بسعادة واستمتاع بأداء المنشدين وحفظ الكثير من أناشيدهم، وكان عمره وقتها ثلاثة عشر عاماً.
بعد فترة لاحظ رئيس حلقة الذكر الشيخ الهاشمي جمال صوته، فسمح له بإنشاد بعض ما حفظه من الأشعار الصوفية لابن الفارض وغيره.
ومن حلقات الذكر تعلم أصول الإلقاء الغنائي والنغمات والإيقاعات، وكان يتقصى الأعراس في الحارة فيذهب لسماع الغناء فيها.
عندما كبر قليلاً بدأ يتقصى المسرح ويذهب إلى سينما النصر أو باب سينما لونا بارك الصيفية حيث كانت الفرق المسرحية تقدم عروضها بهدف مشاهدة الممثلين وكان له ابن عمة أكبر منه فكان يدخله إلى المسرح مقابل أن يبحث هو عن العروض، وكان يحضر عروض سهام رفقي وناديا العريس وحسن حمدان وعبد اللطيف فتحي ومحمد علي عبده، كما كان يشاهد الفرق التي تأتي من لبنان ومصر فشاهد شكوكو ومحمد سلمان ونجاح سلام وأحياناً كان يتسلل إلى المسرح ويجلس في الخلف وكلما وجد مكاناً أمامه انتقل إليه حتى يصبح في المقدمة، ومرة حضر أخوه يبحث عنه فجره وضربه أمام الناس.
أما بما يتعلق ببدايته مع الاحتراف مع الغناء فكان يغني مع راقصة كما كان السائد آنذاك وفي سن الثامنة عشرة من عمره اتجه إلى التمثيل لكنه اضطر لترك منزل أهله لمعارضة أهله الشديدة.
وشارك بالتمثيل مع العديد من الفرق ومن المسرحيات التي شارك بها أوبريت «أنا انكويت» لكميل شامبير وغنى فيها لكن ما لبث أن انقطع عن الغناء وتفرغ للتمثيل.
في عام 1960 أوفد إلى القاهرة من أجل القيام بدور في الإخراج الإذاعي، وهناك التقى المطرب عباس البليدي الذي حدثه عن حاجتهم إلى كلمات أغاني بدوية فقال له: أنا أكتب باللهجة البدوية فاصطحبه في اليوم التالي إلى إذاعة القاهرة وأخبر محمد حسن الشجاعي رئيس دائرة الموسيقا بأنه يكتب كلمات بدوية وقدم له ورقة فيها مقطعان زجليان باللهجة البدوية فقال له: إن مقطعين لا يكفيان لأغنية وطلب منه كتابة مقطع ثالث، فأخذ الورقة ووضعها في جيبه فقال: لا عايزك تكتب الكوبليه الثالث حالاً، كان الشجاعي ذكياً فقد أراد أن يتأكد أنه هو كاتب هذه الكلمات وكتب المقطع الثالث أمامه، ودفع الشجاعي بالكلمات إلى الملحن فؤاد حلمي فلحنها وغنتها شريفة فاضل والأغنية هي «ولد العم». بعد انقطاعه عن الغناء كانت عودته على مرحلتين، الأولى عام 1962 وكان قد بدأ عمله في التلفزيون فقد كان الفنان حكمت محسن يعد لبرنامج نهوند التلفزيوني وقام فيه سبيعي بدور سعدو حني كفك الملحن والمطرب، وقدم أغنية «حبك بقلبي دوم ساكن مطرحو» تلحين زهير منيني ونالت إعجاب الناس في نفسة الوقت نفسه كان يعمل مخرجاً في إذاعة دمشق. وكان في الإذاعة ركن للأغاني الضاحكة فقدم فيه أغنية «داعيكم أبو صياح معدل ع التمام» تدعو للسلوك الصحيح في الأماكن العامة وهي من تلحين عدنان قريش وأذيعت ولاقت نجاحاً كبيراً.
المرحلة الثانية كانت عام 1963 بعدما توفي المخرج التلفزيوني سليم قطاية حيث تنادى الفنان لعمل برنامج تلفزيوني يخصص ريعه لأسرة المخرج الراحل، فبدأ خلدون المالح الإعداد لبرنامج 7 × 7 وأراد سبيعي المساهمة في المشروع وبما أن البرنامج منوع فكان عليه أن يقدم أغنية فاختار شخصية «أبو صياح» وخطر بباله مطلع أغنية «يا ولد لفلك شال» وكانت وقتها منتشرة موضة الشعر الطويل والشارلستون، وكتب شاكر بريخان الأغنية ولحنها وقدمها فكان نجاحها كاسحاً، هذا النجاح دفعه إلى متابعة السير في هذا المنحى فقدم أغنيات كثيرة بمواضيع اجتماعية متنوعة مثل «حبوباتي التلموذات» و»لا تدور ع المال» و«شيش بيش» وغيرها.
الثلاثي المتميز
شكّل رفيق سبيعي مع دريد لحام ونهاد قلعي ثلاثياً متميزاً، وقد اجتمعوا للمرة الأولى في تمثيلية (مطعم الأناقة الجوال) عام 1961، ثم تمثيلية «مطعم السعادة» في أول سني البث التلفزيوني ثم قدموا اسكتش «عقد اللولو» الذي تحول فيما بعد إلى فيلم، لكن نجاحهم الكبير كان في مسلسل «مقالب غوار» وبعدها جاء «حمام الهنا».
وفي عام 1982 اشترك سبيعي مع لحام في مسلسل «وادي المسك» بالألوان.
إرث فني
يزخر تاريخ رفيق السبيعي بإرث فني غني إن كان على الصعيد الدرامي أو السينمائي أو حتى المسرحي والغنائي.
قدّم أكثر من أربعين فيلماً سينمائياً أشهرهم «لقاء الغرباء»، «بنت الحارس»، «زواج بالإكراه»، «النصابين الخمسة»، «المدينة الهادئة»، «رحلة حب»، «الحريق»، «الشمس في يوم غائم» والكثير.
درامياً.. امتهن سبيعي تأدية زعيم الحارة وأحد وجائها فظهر في «أيام شامية»، «ليالي الصالحية»، «طاحون الشر»، «أهل الراية»، بالإضافة إلى مشاركته في أعمال اجتماعية مثل «الصندوق الأسود»، «فسحة سماوية»، «الانحراف»، «أنشودة أمل» و«الفصول الأربعة»، ولم يغب أيضاً عن الدراما التاريخية بمشاركته في «صقر قريش» و«صلاح الدين الأيوبي».
وقف على خشبة المسرح في مناسبات عدة وقدم مسرحيات متميزة منها «أبطال بلدنا»، «البرجوازي النبيل» ومسرحية «الأشباح».