2013/05/29
قيس محمـّد حسين – البعث
> من يدافع عن وطنه بكلمة لا يقوم بعمل سياسي، بل إنه يقوم بواجبٍ وطني تجاه ضميره أوّلاً، ومن يتـّخذ موقفاً إيجابيـّاً تجاه بلاده في أزمته لا يصبح رجل سياسة لكنـّه يحقـّقُ إنسانيـّته، وقد انبرى الإعلامي جورج قرداحي منذ بداية الأزمة يتحدّث عن المؤامرة على سورية، هو لم يكن مضـطرّاً فهو لبناني ويقدّم برامج غير سياسيّة ويعلم أنّ محطـّات النـّفط ستغضب عليه، لكنّ وعيه وضميره كانا أكبر من أن يصمت، وفي برنامج لم أتابعه أشادت فنـّانة مغنـّية تدعى شمس وهي إماراتيّة أعتقد، أشادت بالفنـّانة ميـّادة الحنـّاوي على مواقفها الوطنيـّة، وسخرت من مغن لبناني يدعى فضل شاكر على ما صار إليه، قالت شمس إنـّه –فضل– غنـّى أغاني فيها إحساس وأغاني لفيروز وإذ به مع المتطرّفين التـّكفيريـّين، لقد كذب علينا، وأردفت: «يأتي شخص يطلق لحيته ويقصـّر عباءته ويدّعي أنّ في يده مفتاح الجنـّة والنـّار»!! جميلٌ أن يمتلك فنـّانونا وعياً كهذا، التـّكفيريّون يغنـّون ويكفـّروننا إذا غنـّينا، يوزّعون هلوساتهم ويجلدوننا إذا كتبنا الشـّعر، يتكالبون على اللـّذات ثــُمّ يقفلون على الإنسان في صندوقٍ مـُقفل، يـُقال إنّ الكثير من المحطـّات الإباحيـّة يمتلكها أثرياء عرب نفطيّون، والمحطـّات التي تبثّ الفتن والأحقاد وتشوّه الدّين هي للأثرياء العرب، ويـّقال إن الذين يمتلكون هذه يمتلكون تلك، هو أمرٌ مـُحيِّرٌ يثير الدّهشة، والسّؤال: لماذا؟.
تحطيم المجتمع يكمن في حدّين قاتلين: الأوّل هو تكبيل الإنسان بقوانين مرعبة، وسلبه إرادته، وتحويله إلى داجنٍ أو وحشٍ بلا أفكار، والحدّ الآخر يكمن في انفلات الإنسان من الأخلاق، والحدّان ليسا متناقضين، فالتـّقييد المطلق للإنسان هو الإطلاق لشذوذه وعقده، والانفلات المطلق للإنسان يعني تقييده بأغلال الدّونيـّة، فمن يسوّق لهاتين الحالين؟.
أحد شعرائنا سأل: كيف سنحرّر القدس ونحن لم نحرّر أنفسنا؟ وهذا سؤال مشروع وعميق، لكن كيف سنحرّر أنفسنا، وأعداؤنا يحتلـّون وسائل الإعلام، ويمتلكون المتلاعبين بالدّين وبالدّنيا؟ أكثر المحطـّات الإعلاميّة العربيّة هي صناعة غربيّة، ومن هنا نرى أنّ ذلك المغنـّي الذي يغنـّي للحبيب والرّموش والجوى نراه يحمل السّاطور، إنـّه بكلّ بساطة ضحيّة ثقافة منحرفة تصنع في الغرب لتـُسوّق عندنا، فثمـّة بضاعةٌ يصنعها السّاسة الغربيّون خصّيصاً لنا لكرههم لنا، وليس حباً بنا. وفي جلسة عزاء عرّفني الفنـّان التـّشكيلي أحمد خليل بأحد الأشخاص، قال:
ألا تعرف الأستاذ (؟) إنـّه والد الممثـّلة (!) ألا تعرفها ؟ تظاهرت أنـي سمعت بها مراعاة لمشاعره وقذفته بابتسامة، وأردف أحمد سائلاً الأستاذ (؟) عن رأي ابنته في ظلّ هذه الأزمة -وحينها كان وطيسُ آراء الفـّنين حامياً- فمطّ الأستاذ (؟) شفته السّفلى متظاهراً الحيرة وقال: لا أدري البعض مضلـّل يا أستاذ، لا تصله الحقيقة، و لأن زمرة دمي فليفلة حمراء قاطعته قائلاً: إذا كان هذا البعض فنـّاناً فعليه ألاّ يـُضلـَّـل بسهولة، أنا أفهم أن يـُضلـّل مواطن موريتاني يتابع الجزيرة ولكن لا أفهم أن تضلل فنانة شهدت جنازة أبرياء قطّع جسدهم الإرهاب، أمّا إذا كانت المسألة تخصّ الجوائز والأدوار فهذه انتهازيّة. اسود وجه الأستاذ(؟) ولم يـُجب ولم آبه لمشاعره وقد رجم مشاعري بحماقته ، فنـّانة أخرى – مغنـّية – صوتها يشبه صفارة الإنذار عندما تغنـي ويشبه صرير طاولة تـُجر على سجـّادة عندما تتكلـّم، جعلت سورية منها فنانة فأصبحت عاقـّاً وراحت تجلد الأمّ الجريحة، وكل هذا من ورائه نفط ونجمة داود.
القضيـّة برمـّتها أنّ ميـّادة الحنـّاوي أكبر من الجوائز التي يمكن أن تمنحها الجهات المالكة للمال والانحراف في هذا الوطن العربي الممتدّ بين ضفاف الضـياع وضفاف الألم فهي –ميّادة- التي تمنح تلك الجوائز قيمة، وأنّ ثمّة من يضحـّي بضميره في سبيل تلك الجوائز وعندما يحصل عليها لا تمنحه قيمة بل لعلـّه يـُفقدها قيمتها.