2013/05/29
فادية مصارع – الثورة
في الوقت الذي بات غير مرحب بدراما القضية الفلسطينية على قنوات التلفزة العربية بقيت سورية وحدها تصد الهجمة الصهيونية على جبهة السينما والتلفزيون كي تبقى فلسطين حية في الذاكرة وتبقى جوهرة قضايانا القومية والوطنية،
ففي السينما كانت هناك قفزة حقيقية وخاصة في مرحلة السبعينيات إذ أنتجت المؤسسة العامة للسينما مجموعة من الأفلام الفلسطينية والتي يمكن اعتبارها علامة فارقة ومنها (السكين كفر قاسم المخدوعون رجال في الشمس) وفي التلفزيون لم تغب فلسطين عنه أبداً وتقدمت الدراما السورية على غيرها على صعيد التمثيل أو الإخراج أو التمويل، وظهرت مسلسلات كانت الأهم في الإنتاجات العربية.
القسام وبداية المواجهة :
من هذه المسلسلات (عز الدين القسام) الذي أنتج في الثمانينات من القرن الماضي من تأليف أحمد دحبور وإخراج هيثم حقي، وهو دراما وطنية تاريخية قدمت حياة ونضالات المجاهد الذي غادر مدينة جبلة مسقط رأسه في سورية وتوجه للنضال ضد الاحتلال الانكليزي وتهويد الأرض، وبرز فيه نجوم سوريون من مثل أسعد فضة الذي جسد دور القسام والفنانة القديرة منى واصف التي لعبت دور جوليت وأديب قدورة وهاني الروماني وغيرهم، تخلله أغانٍ تراثية وطنية فلسطينية قدمتها فرقة العاشقين.
الغائبة الحاضرة :
فلسطين الغائبة عن الإنتاج العربي والحاضرة في الوجدان والضمير حضرت بقوة في الدراما عبر المسلسل الضخم (التغريبة الفلسطينية) الذي كان بمثابة ملحمة درامية ووثيقة حقيقية أرتنا فلسطين كما هي على أرض الواقع بمخيماتها وقراها وناسها، وهو يحكي قصة الجرح الفلسطيني على مساحة الوجدان العربي، منذ النكبة حتى حزيران وتداعياتها ومقاومة الاحتلال داخل الوطن من خلال تقديم نماذج إنسانية مركبة بأحلامها وطموحاتها وانتصاراتها وخيباتها وتحولاتها وكفاحها، ويسجل للمسلسل الأمانة والتوثيق من النواحي التاريخية والوطنية والثقافية والشعبية، وقد نال جوائز عدة من مختلف البلدان العربية واعتبر أهم عمل تاريخي يحكي عن القضية، وما زال يحفر في وجداننا بكل شخصياته ، وما زلنا نحفظ كلمات الشاعر الكبير إبراهيم طوقان التي زينت شارته (لا تسل عن سلامة/ روحه فوق راحته/ بدلته همومه/ كفناً من وسادته) .
ويأتي مسلسل (الاجتياح) والذي أنتج سنة 2002 ليحكي أيضاً ما قامت به قوات الاحتلال الاسرائيلي من اجتياح لمخيم جنين، وقد فاز بجائزة إيمي العالمية عن فئة المسلسلات الطويلة، بعدها بثته معظم الفضائيات العربية ، وهو من إخراج شوقي الماجري، سيناريو وحوار رياض سيف جسد بطولته الفنان السوري عباس النوري، وصبا مبارك ومنذر رياحنة ونادرة عمران وحسين نخلة وانطوانيت نجيب، وعدد من الممثلين السوريين والفلسطينيين.
حلم بالعودة :
(عائد إلى حيفا) كان أيضاً من الأعمال اللافتة التي تحدثت عن القضية الفلسطينية وهي الرواية المعروفة للكاتب الفلسطيني المبدع غسان كنفاني وقد تم تحويله في الثمانينات إلى فيلم سينمائي من إخراج (قاسم حول) وإنتاج مؤسسة الأرض للإنتاج السينمائي، حصد أربع جوائز عالمية ثم تم انتاج فيلم سينمائي مأخوذ عن الرواية نفسها عام 1994 تحت اسم (المتبقي) من إخراج إيراني وإنتاج إيراني سوري، كما تم عرض مسرحية ميلودرامية لفرقة طقوس المسرحية الأردنية ومُثل بلهجة الريف الفلسطيني بحرفية عالية.
قدم بعدها المخرج باسل الخطيب عبر مشروعه مسلسل (عائد إلى حيفا) تأليف غسان نزال وإخراجه حيث عرض القضية الفلسطينية في بعدها الإنساني وقدم ملحمة وطنية مؤثرة رسم شخصياتها بكل ما تحمله من نبل وعنفوان وقدرة على المواجهة، وتبدأ أحداثه مع النكبة ليصور المسلسل رحلة طويلة للفلسطينيين من التشرد والعذاب غاصوا في مخاضها بعد أن اقتلعوا من أرضهم وحرموا من أهلهم، كما يؤرخ ليوميات سقوط حيفا 1948. ليأتي بعده مسلسل (عياش) وهو يصور كفاح الشعب الفلسطيني من خلال سيرة البطل يحيى عياش المهندس الذي كانت حياته انعكاساً حقيقياً لحياة شعب بأكمله، ولحياة عامة فيها العديد من الانكسارات والمنعطفات، وكان كما وصفته كاتبة العمل (ديانا جبور) مثالاً ونموذجاً لمرحلة من سيرة أمة، وكان مهماً في زمن اختلط فيه مفهوم المقاومة بالإرهاب الذي استخدم أصحابه الأساليب الشرعية للمقاومة وسرقوا أدواتها، المسلسل الذي أنتج بإمكانيات لوجستية متواضعة قدم الإنسان البسيط الذي دفعته ظروفه لمقارعة الاحتلال والقهر، فتحول إلى عبقرية نضالية فذة شكلت هاجساً أمنياً عسكرياً بالنسبة للكيان الصهيوني، قدم من خلاله باسل الخطيب عملاً وطنياً تحدث عن قيم بطولية وإنسانية.
أنا القدس :
آخر مسلسل في مشروع الخطيب على الصعيد التلفزيوني (ولا أظنه الأخير) عُرض في الموسم الرمضاني 2011 وهو من تأليفه وشقيقه تليد، وإخراجه جمع نخبة من ممثلي سورية ولبنان ومصر والأردن منهم (عابد فهد، كاريس بشار، صبا مبارك، فاروق الفيشاوي، وغيرهم) المسلسل يرصد فترة زمنية حاسمة جداً في تاريخ القدس بدأت مع احتلال المدينة من قبل الجيش البريطاني 1917، وبداية الانتداب وصولاً للعام 1956، ويتحدث عن القدس في تلك الفترة بكل جوانبها النضالية والأدبية والسياسية والاجتماعية من خلال خط درامي يواكب ظهور شخصيات بارزة في تاريخ فلسطين.
المسلسل امتنعت الفضائيات عن عرضه وعرضته الفضائية السورية والمنار رغم جودته العالية، وهو السؤال الذي سأله عابد فهد أحد أبطال المسلسل بات جوابه معروفاً بأن الأعمال الدرامية خاضعة لسياسة الدول التي تتجه المنتج التجاري وغير المتحمسة للقضايا المصيرية، وهي كما رآها المخرج المصري محمد فاضل: (القضية ليس أن الدراما تجاهلت القضية الفلسطينية بقدر أن الدراما العربية محكومة بقوانين وتحالفات تجبر المبدع إما للخروج أو الدخول في معركة صعبة قد يستشهد قبل الدخول فيها) .