2013/05/29
لؤي ماجد سلمان – تشرين
ربما كان التنوع الفضائي يتيح للمشاهد العربي أن يختار ما يروق له، لكن هذا لا يكفي، إذ تكمن المشكلة الحقيقية في الخيارات المتاحة بين السيئ والأسوأ،
وما يُلزمنا به العالم الفضائي من برامج وقوالب جاهزة تسهم في قتل المخيلة الإبداعية عند المشاهد، وتسهم في تخريب ذائقته الفنية والأدبية، قنوات لكل شيء أخبار مفبركة، طب بديل، معالجات روحانية، رقص، غناء، قنوات للتحريض الديني والمذهبي، وأخرى للفتاوى غير الشرعية، شعر نبطي، مراكز تجميل للشد والرخي، قنوات للدردشة، كل شيء في متناول يدك فقط اضغط على الزر وستأتيك الصورة قبل أن يرتد طرفك وتتجول في عوالم مختلفة، إلا الثقافة محيدة عن القنوات الفضائية، إذ لا يمكنك أن تشاهد قناة ترتقي بمستوى الوعي، أو تحرك المخيلة الإبداعية ولو عن طريق سرد غيض من الإرث الثقافي والحضاري الذي نملكه ونجهله، لا أحد يقدم قراءة في كتاب، أو ديوان شعر، وإن كان هناك بعض القنوات تنتحل الصفة الثقافية، لكن ثقافتها لا تخرج عن التفخيم والتعظيم والإشادة بما رعاه أصحاب السمو، لنقل وتبييض أخبارهم، واحتفالاتهم في المناسبات الثقافية، ويمكن لمتابع تلك القنوات الثقافية أن يختبر لياقة سموه في الرقص بالسيف، ويشاهد عن كثب حركاته الثقافية الخلاقة، أو يكتسب مخزوناً معرفياً من فوز الأحفاد في سباق الهجن، ويختبر قوة تحملهم في امتطاء الهمر.
أين الفضائيات التي تقدم برامج ثقافية ذات مضامين إنسانية وأدبية، وتبحث عن العلوم التي تسهم في تطور الإنسان وتنمية طاقاته الفكرية، هل فقد الوطن العربي النخبة المثقفة القادرة على فك شفرة الرسائل الإعلامية المشبوهة التي تنتحل الصفة الثقافية، ولماذا نقلد الغرب في البرامج الموجهة للمراهق خاصةً التي نشاهدها تتكاثر كالخلايا السرطانية على القمر العربي تحت عناوين مختلفة من دون أي رادع أخلاقي أو قيمي، من دون أن نحاول تقليده في البرامج الثقافية المتخصصة التي تهتم بالأدب عموماً كالمسرح، الرسم، التراث الذي نشهد تخريبه كل يوم، أو البحوث الإبداعية التي تهتم بقضايا فكرية وثقافية عامة، هل هي محاولات حقيقية وخطط جادة لفصل الإنسان العربي عن هويته الثقافية، وزجه بوضاعة في ثقافة مجهولة عبر الألغام الفضائية المهذبة لإقصائه عن كل ما يساهم في تطوره؟
لن نستطيع إغفال دور الشاشة الصغيرة في حياتنا، ولن نرضخ لفكرة أنها كائن للترفيه فقط، فقد أصبح لهذا الجهاز الثرثار دور مهم في التنشئة الاجتماعية، والتنمية الفكرية، وهو يلتهم يومنا من دون أن نشعر. صدق من قال: إن العالم تحول إلى قرية فضائية صغيرة جداً، لكنها في الحقيقة قرية نائية عن كل القيم الحضارية والمفاهيم التي تسهم في تطور المجتمعات العربية ثقافياً وفكرياً.