2013/05/29
جوان جان – تشرين
قبل مرحلة سطوع نجم الدراما السورية كانت برامج المنوعات في التلفزيون السوري تمشي جنباً إلى جنب مع الأعمال الدرامية من حيث كمّ البرامج المنتَجة سنوياً بالمقارنة مع كمِّ المسلسلات الدرامية ومن حيث التركيز على النوعية الجيدة لبرامج المنوعات المحلية التي لم تكن تغيب يوماً عن شاشتنا.
وعلى الرغم من الإمكانات المادية المحدودة التي كانت توضع في خدمة تلك البرامج إلا أنها كانت قادرة على استقطاب اهتمام الجمهور ومتابعته، ذاك الجمهور الذي لم تكن تعنيه البهرجة الشكلانية التي تحفل بها برامج المنوعات اليوم بقدر ما كانت تعنيه المتعة النقية التي كان بإمكانه الوصول إليها عبر متابعته لتلك البرامج التي تبدو اليوم متواضعة، إذا ما قورنت ببرامج المنوعات العربية التي تعتمد على التقنيات الفنية العالية والديكورات الضخمة المبهرة التي تذهب بعقل ولبِّ متابعها.
والواقع أن برامج المنوعات التي تألقت على الشاشات العربية في السنوات الأخيرة لا فضل لهذه الشاشات ولمعدّيها ومقدميها ومخرجيها على تألقها لأنها في الواقع ليست أكثر من نسخ لبرامج أجنبية تذاع على الشاشات الأميركية والأوروبية، ولا يكون من دور للمبدع البرامجي العربي سوى استنساخ هذه البرامج شكلاً ومضموناً ضمن إطار اتفاقيات تُعقَد بين إدارات الفضائيات العربية ونظيرتها الأميركية أو الأوروبية، وهو أمر كان يمر على خجل ومضض في عهد الفضائيات العربية الأول بهذه البرامج المستنسخة، إلا أن الواقع يشير اليوم إلى أن مجمل برامج المنوعات العربية بما فيها برامج المسابقات الثقافية ومسابقات التنافس في الغناء أو التمثيل.. إلخ، ما هي إلا نسخ عن برامج أجنبية مشهورة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل أصيب الإبداع الإعلامي العربي بالعقم حتى نعدم الوسيلة في إيجاد ولو برنامجاً واحداً يكون من إبداع مخيّلتنا العربية؟ وهل نضبت كل الأفكار في عقول إعلاميينا العرب حتى صار اللجوء إلى أشكال ومضامين برامجية مستوردة هو النهج الذي تسير عليه كل فضائياتنا العربية؟
الجواب ببساطة هو «لا» والدليل أن إعلاميينا العرب قد ابتكروا العديد من الأشكال والمضامين التي لا يمكن لأي مخيّلة أميركية أو أوروبية أن تصل إليها، ويأتي في مقدمة هذه الأشكال والمضامين: البرامج الحوارية، وخاصة تلك التي تتناول الجوانب السياسية، حيث تفتّقت ذهنية إعلاميينا العرب عن نوعية من البرامج لا يمكن لأحد أن يسبقنا إليها، برامج قائمة من ألفها إلى يائها على استضافة ضيوف شتّامين سبّابين، لا يعرفون سوى لغة واحدة للحوار وهي لغة الشتائم وكَيل الاتهامات للخصم والتحريض على القتل، وهم أساتذة بارعون في الحضِّ على تدمير الأوطان ودفع الناس إلى جنون التخريب والفوضى. والواقع أن التلفزة الفضائية العربية أنتجت في السنتين الأخيرتين نجوماً في هذا الإطار لم يكن لهم أي تواجد إعلامي من قبل.
شكل آخر من أشكال الإبداع البرامجي ابتكره إعلاميونا وهو تخصيص فضائيات في بث مباشر على مدى 24 ساعة لبثِّ رسائل قصيرة، وعدا عن الجانب التجاري المفضوح في عملية النصب هذه فإن الهدف من ورائها الترويج للفكر الجاهل الذي يميّز طبيعة الرسائل التي تُنشَر على بعض هذه الفضائيات، ولتبيان حقيقة هذه الفضائيات ومن يمدها بالرسائل أجرى أحد الصحفيين العرب في أحد مواقع الانترنت تحقيقاً استمر العمل فيه عاماً كاملاً توصّل بموجبه إلى نتائج مذهلة فيما يخصّ كاتبي هذه الرسائل في واحدة من أشهر فضائيات الإس إم إس وهي الجزيرة-مباشر وكان المجال الزمني لدراسته الفترة الواقعة ما بين الشهر التاسع من العام الماضي ومثيله من العام الحالي فتوصّل إلى أن عدد الأشخاص الذين ينشرون هذه الرسائل على مدى 24 ساعة في الجزيرة-مباشر ومنذ عام كامل لا يتعدى الخمسة عشر شخصاً ينتمون إلى ثلاثة بلدان عربية في الوقت الذي تدّعي فيه هذه الفضائية أن الدروب سالكة إليها من معظم الدول العربية، كما اكتشف معدّ التحقيق أن بعضاً من هؤلاء يعمدون إلى إرسال رسائل بعدة أسماء للإيحاء بأكبر عدد ممكن من المهتمين بمراسلة هذه الفضائية، وهم في سبيلهم إلى إقناع الجمهور بذلك يفبركون رسائل تحمل ردوداً على رسائل أخرى ليست في الواقع سوى ردودهم على أنفسهم، وهو الأمر الذي يؤكد النظرية القائلة إن الجزيرة-مباشر فضائية أُحدِثَت للعاطلين عن العمل والمرضى النفسيين من أبناء الشعب العربي.
شكل برامجي آخر لجأت إليه فضائيات عربية إخبارية في جملة ابتكاراتها التي لا تضاهىو هو استقبال زعماء عصابات للتنافس أمام الجمهور –دون خجل- على تقاسم الإعانات الإنسانية الموجهة نحو شعوب العالم الثالث، حيث تستضيف هذه الفضائيات أشخاصاً يدّعون أنهم رؤساء لمجالس وتجمّعات وأذرعة ثورية لهيئات سياسية أو أذرعة سياسية لانتفاخات ثورية وذلك بهدف كيل الاتهامات لبعضهم البعض وعلى الملأ حول تقاسم مبالغ الهبات والمعونات التي يرسلها أغبياء العالم وما أكثرهم فيتلقفها أشخاص انتقلوا في عملهم الاحترافي ذي النَّفَس الاحتيالي من نطاق الحيّ والمدينة إلى نطاق الأمم والدول.
إلا أن آخر إبداعات إعلاميينا العرب هو تحوّل بعضهم إلى قادة لبعض التجمّعات الهيجانية حيث يقودونها كما تقاد القطعان، فإذا قالوا لها اذهبي واقتحمي المبنى الفلاني ذهبت واقتحمت ذاك المبنى، وإذا قالوا لها ارمي نفسك في البحر فعلت. أحد المتابعين لواحد من هذه المشاهد اللاعقلانية العبثية التي تحفل بها الشاشات العربية اليوم تساءل: لو أن إعلامياً أميركياً ظهر على شاشة التلفزيون الأميركي وطلب من عشرات الآلاف من الأميركيين الذين يحملون العَلم الأميركي فقط (بالمناسبة المواطن الأميركي مواطن شريف لأنه لا يمكن أن يحمل سوى علم بلاده) أن يتوجهوا إلى البيت الأبيض لإسقاط الرئيس الأميركي، ماذا سيكون مصيره؟ وهل سيكون بإمكانه الظهور بعد عدة ساعات على ظهوره التحريضي الأول كي يكمل ما بدأ به؟
هذه نماذج مختارة من القدرات الخلاقة التي يتمتع بها إعلاميونا العرب اليوم، فهل من مُدَّعٍ بعد اليوم يمكن أن يقول إن إعلاميينا يستنسخون أفكار برامجهم من الإعلاميين الأمريكيين والأوربيين؟.