2013/05/29
فؤاد مسعد – الثورة
بعد غياب عدة سنوات عن الساحة يعود المخرج فردوس أتاسي حاملاً معه الجديد والمختلف ، إنه مسلسل (وطن حاف) الذي يتقاسم إخراجه مع المخرج مهند قطيش
بحيث ينجز كل منهما خمس عشرة حلقة في عمل وصف بانه يركز بشكل كبير على انعكاسات الأزمة الحالية على حياة الناس من خلال مواقف مُضحكة مُبكية تنتمي الى الكوميديا السوداء راصداً سلسلة مواعيد مع الأمل لشخصيات تحاول أن ينتشلها الحلم من القاع .. العمل الذي كتبه كميل نصراوي وتنتجه المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي يقع في ثلاثين حلقة ويندرج ضمن إطار المسلسلات متصلة منفصلة الحلقات ، ويشارك في أداء شخصياته عدد كبير من الفنانين .
حول خصوصية العمل والتحديات التي يحملها بين حناياه، وقضايا فنية أخرى .. كان لنا هذا اللقاء مع المخرج المخضرم فردوس أتاسي :
ـ ما طبيعة الطروحات التي يقدمها العمل ؟ وإلى أي مدى يضع الاصبع على الجرح ويلامس هموم الطبقة الوسطى ؟
آخر مسلسل قدمته كان (جبران خليل جبران) عام 2006 وأنجزت بعده عملاً خارج سورية عام 2009 ، وبالتالي مضى علي فترة لم أعمل بها ، وأنا لا يستهويني أي نص لأخرجه ، فينبغي أن يكون للعمل خصوصية ويقدم متعة بصرية ومتعة فكرية وأن تشعر أنه يحمل أفكاراً جديدة يمكن طرحها .. هذا ما أحاول التفتيش عنه في كل أعمالي .
أما فيما يتعلق بمسلسل (وطن حاف) فقد وصلني نص الكاتب كميل نصراوي منذ حوالي الثلاث سنوات وهو عبارة عن حلقات منفصلة تماماً عن بعضها ، الجامع الوحيد الذي بينها أنها كلها اجتماعية وتحوي حساً انسانياً عالي المستوى وتتحدث عن الطبقة الوسطى وما دون الوسطى ، وهي الطبقة التي لا تزال تبحث عن نفسها في المجتمع ، كما أنها هي من تحرك الخطوط الدرامية في أي مجتمع بالعالم ، وإلا فما الذي ستحكيه عن الطبقة الغنية ؟.. الترف والمخدرات والنساء وصراع الغني مع الفقير.. وبالتالي عندما تريد رصد المشاعر الانسانية والمجتمع الحقيقي ، فالطبقة الوسطى هي السائدة .
لقد استهواني النص لأنه يتحدث عن هذه الطبقة ضمن إطار الكوميديا السوداء ، ما يجعل المشاهد يضحك من قلبه وفي الوقت نفسه يشعر بالغصة والألم ، وهو أمر هام في الدراما لأنه الأكثر تأثيراً ، وما يميز الكاتب كميل أيضاً أنه قدم لقطات ذكية ضمن حوار أنيق ورشيق تنبع فيه النكتة من قلب الحوار ، ما يشعرك بعمق العمل وإلى أي مدى هو سهل ممتنع .
ـ قيل إن العمل يلامس الأزمة الحالية اجتماعياً وانسانياً .. فما حدود هذه الملامسة خاصة أنه كتب منذ ثلاث سنوات ؟ وهل الحلقات كلها تلامس الأزمة ؟
كثيرة هي الحلقات التي عدلنا وبدلنا فيها بما يتلاءم مع المجريات الحالية في سورية ، فبدأنا نلامس الأزمة بأحداث جديدة ، لا تبتعد عن النص الأصلي ولكن تواكب الحدث حالياً . وسيشعر المشاهد انه في قلب الأزمة ، ومن الموضوعات التي يطرحها العمل أزمة الإنسان من فقر وبطالة وغلاء .. وهذا كله كان موجوداً قبل الأزمة واثنائها .. كما أن هناك لوحات بعيدة عن الأزمة ولكن لن تشعر أنها خارجها .
ـ الحديث عن معاناة ومشكلات الطبقة الوسطى خاصة في هذه الظروف هو كالسير بين الألغام .. فما طبيعة هذه الألغام وإلى أي مدى تحاول السير بينها دون ان ينفجر أحدها ؟
لا أحبذ كثيراً الكلام عن حكايات العمل والألغام فيه ، فأفضل أن يُفاجأ به الناس .. ولكن بطبيعتي أحب الأعمال الجديدة ، فعندما قدمت (مذكرات عائلية) فاجأت الناس أن كل حلقة فيه عبارة عن قصة فيها الجديد ، وعندما أخرجت (المحكوم) قدمت لأول مرة محكوما خارج من السجن بطلاً لمسلسل ، وفي (تمر حنة) قدمت بطل عنده ثلاث زوجات ويريد الرابعة ، وبالوقت نفسه حكيت عن علاقة سورية بالجزائر والثورة الجزائرية في الخمسينيات ، وعندما عملنا (الهروب إلى القمة) قدمنا أحداث عام 1982 والعلاقات السورية اللبنانية وكيف احتضنت سورية اللبنانيين.. فدائماً كنت أبحث عن الجديد .
ـ وما صعوبات التصوير من حيث انتقاء الممثلين ؟
لدينا ممثلون كثر وجيدون وقد تعاونا مع مجموعة كبيرة منهم ، ولكن هناك ممثلين يشاركون في أكثر من حلقة ويقدمون أكثر من شخصية ، وهذا الأمر لا يعني أن هناك تشابهاً ، رغم أنني كنت أفضل أن آخذ خمسة عشر بطلاً وخمس عشرة بطلة ، ولكني مضطر أن أكرر الممثلين فالعديد من نجومنا خارج سورية ، كما أن هناك أكثر من مسلسل يتم تصويره حالياً داخل وخارج سورية .
ـ فريقا عمل منفصلان ورؤيتان إخراجيتان مستقلتان ومخرجان في عمرين متباعدين لمسلسل واحد.. ألا يضعنا هذا الأمر أمام منافسة محتملة .. أم هو تكامل من نوع ما ؟
بالطبع هناك تكامل فيما بيننا .. صحيح أننا مخرجون ولكن ننجز مسلسلاً واحداً ويهمني نجاحه كاملاً ، وبالتالي يهمني أن أنجح في عملي بالقدر نفسه الذي يهمني فيه نجاح مهند قطيش في عمله ، ومن المؤكد أن لكل منا بصمته الخاصة ورؤيته الإخراجية ، وهناك نوع من التنافس الفني بحيث يدفع كل منا لتقديم الأفضل .
ـ هل يؤثر تصوير أعمال سورية خارج البلد سلباً أم إيجاباً على الدراما السورية ؟
إن كنت تريد أن تقدم عملاً بيئوياً سورياً فإن أي مكان تصور فيه الخارج سيكون غير مقنع . فعندما قدمت مسلسل (الوردة الأخيرة) عام 2005 اضطررت للذهاب إلى حلب كي أصوره ما كلف زيادة مالية في الانتاج بسبب الاقامات ، لأن حلب لها خصوصيتها ، ومن غير الممكن القول انك تصور في بيت حلبي في حين أنك تصور في بيت شامي ، فلكل منهما رائحته وخصوصيته ، والسوق الحلبي مختلف عن السوق الشامي . وبالتالي كيف يمكن أن تُقنع الناس أنك تسير في شوارع الشام في حين أنك تصور عملك في مكان آخر خارجها ؟.. وهنا أذكر مثالاً أن هناك مسلسلات تجري أحداثها في حلب أعيد كتابتها كي تجري أحداثها في دمشق لتصور فيها ، لأن دمشق لها خصوصيتها .
ـ قلة الأعمال المُنتجة مقارنة مع الأعوام السابقة ، إلى أي مدى سترخي بظلالها على الدراما السورية في رمضان ؟
هي وقفة محارب ما بين فترتين ليفكر خلالها صناع الدراما أين كانوا وإلى أين سيذهبون وكيف ؟ وماذا سيقدمون ؟.. فالفنان السوري انسان نابض بالحياة ، وهو (فني) أكثر من أنه (مادي) ، عندما انجزنا دراما وأوصلناها لهذا النجاح لم يكن ذلك من أجل المال ، وإنما كنا نعمل بقصد إنجاز شيء هام ، كما أن المشاهد السوري تعود منذ ستينيات القرن الماضي على كتاب هامين (محمد الماغوط وزكريا تامر وعبد العزيز هلال..) صنعوا الدراما في البدايات وعملوا بصمة أدبية وخلقوا دراما حقيقية، وهم من أسس للآن ، وخلقوا ذائقة لدى المشاهد السوري فبات لا يعجبه العجب .. لذلك عندما تتكلم مع مشاهد سوري ينقد لك الأعمال أفضل من أي ناقد ، وبالتالي ينبغي أن نكون على مستوى هذا الجمهور .