2012/07/04
أحمد علي هلال - البعث
ما هي علاقة الدراما التاريخية بالرواية، وبمعنى آخر ما هي الحدود التي تجعل منها رواية أو مقترحات روائية؟!
تتكئ الدراما التاريخية على أحداث ووقائع، فهي تذهب إلى تاريخ معلوم في الأغلب الأعم، ولكن مع فارق جوهري هو أن التاريخ الذي يستحضر في عمل بعينه غالباً ما تعاضده رؤيا ينهض عليها فضاء روائي متخيل "محايث" ليؤدي وظيفة-جمالية ومعرفية تعيد تأويل السياق-لدى المتلقي - على اختلاف مرجعياته، كما اكتشاف تلك اللحظات الفارقة في ثنايا تاريخ (معلوم)، وذلك كله ليس بمنأى عن الفعالية التخييلية، أي الصورة التي مرت عبر نص مكتوب، ثم أعيد تشكيلها وهكذا.. وبالوسع استعادة أعمال باذخة مثل زنوبيا، والظاهر بيبرس، وبالمعنى السيري يوسف الصديق، ورابعة العدوية والزير سالم مثالاً، وثمة العديد من الأعمال التي نجحت في تركيبها البصري للمكان والإنسان، ونجت مما يجعلها أسيرة أيقونة التاريخ، المسألة هنا لا تبرز فيما ذهب إليه صناع الدراما التاريخية من الإبهار الذي اقتضى شحن الصورة بجرعات تستثير الخيال وتضاعف إيحاء الكلمة المكتوبة، بقدر ما أفضت إلى تأليف روائي بالصورة وتركيبها بمستويات عدة، من شأنها بطبيعة الحال أن تعمق خبرة المتلقي الجمالية، وفي مستوى آخر تسمح لأسئلته أن تستولد المعنى من رواية تاريخية في "فرجة العالم المتعدد الألوان" وهكذا يتشكل وعي إضافي، واللافت في هذا السياق كيفيات التأسيس، لا سيما الطريقة التي تشي بها النهاية، أكثر من النهاية ذاتها، ففي "زنوبيا" أو "الزير سالم" تبدو مساءلة النهاية مشروعة في مستوى "الحقيقة التاريخية" وفي مستوى "المجاز الروائي" التلفزيوني، لقد مثّلت الفنانة الراحلة نجاح العبد الله ذروة الاتساق لشخصية زنوبيا الإشكالية، إذ الفضاء الروائي ارتبط تشكيله بصيرورة تلك الشخصية الدرامية، ومديات تأويلها كما درامية قدرها، بهذا المعنى تؤدي الدراما التاريخية فعاليات التخييل، وبالمقابل تحيلنا لرؤيا في مطلق شخصية أو سيرة أو أحداث تاريخية طي مدوناتها، كما هو الحال مع عمل كالزير سالم الذي حمل رؤية المبدع الراحل ممدوح عدوان في استدخاله الحيز الروائي نصاً مختلفاً تتعدد زواياه ليصبح "فرجة" سمعية-بصرية، لا تذهب إلى المتعة فحسب، بل إلى شكل معرفي يتعلق بثراء المضمون وتعدد احتمالاته.
إن الدراما التاريخية وهي تشي بفهم خاص للأدب والتاريخ والفكر على الرغم من حيازتها الاستثناء والضرورة، لا تقوم على استنساخ "الروايات التاريخية"، بل تذهب لإيجاد صيغ مختلفة لما يعادلها فنياً وإبداعياً، وفي دلالة الانفتاح عليها، نقف على ممكنات تتغذى بضرورة الفن، وليس بنزعات التأريخ، نقف على دينامية الرؤية، انطلاقاً مما هو متغير باستمرار كما يقول الروائي الإيطالي ايتالو كالفينو "مثل كثبان الرمل المتحركة بقوة رياح الصحراء".
ثمة ندرة في واقع الدراما التاريخية، قد تفسر بدراما النوع، لا الكم، ولكنها لا تبرر اختفاؤها، سوى من مناسبات بعينها، أو صناعتها لغايات تسويقية، يتطلب تجليها بخصوصيتها وانفتاحها على "المضمرات" التاريخية، تكاملاً منشوداً مع الأنواع الدرامية الأخرى، تضيف إلى المشهد الدرامي أبعاداً جديدة، الدراما وتأويل التاريخ، شغف ومعرفة تحتفي بما نألفه، كاكتشاف أول في مرايا شديدة الكثافة تأخذنا لما يشبه حلماً نؤلف حكايته الأثيرة المجنحة ممسوكة الخيال، لا نقف عند ما تتطلبه "رواية تلفزيونية" مقاربة، بل نخاتلها إلى ما يعني الشغف بتاريخ يطعّم الحكاية الرئيسية فضولنا الدائم إلى ما يتقاطع وما يختلف في صوغ درامية الإنسان في أزمنته وأمكنته الافتراضية أو الواقعية، على حد سواء، فالدراما التاريخية في حضورها، أو انتظارها، مسافة إلى الممكن من تيماتها وتماسكها وإيقاعها لنحتفظ بصورتها زمناً آخر في الذاكرة، هل ثمة إمكانات دلالية لمعناها، لنضاعف الرهان على جاذبيتها، لا خفة تأويلها رغم استثناءاتها القليلة.