2013/05/29
بيسان طي – السفير
ليل أمس الأوّل، امتد المشهد المحتقن من الشوارع المحيطة بالسرايا إلى شاشات التلفزيون. تجييش، فتن، أخبار خاطئة، طائفية مباشرة على الأهواء. الا أن مرسال غانم إعلامي يعرف تماماً كيف يشد عيون المشاهدين إلى برنامجه، «كلام الناس»، من دون الدخول في لعب يلجأ إليها منتحلو الصفة من الإعلاميين.
جمع غانم حول طاولة واحدة ليل أمس الأول، كلاً من «الزميل» (؟) نديم قطيش «نجم الاحتقان»، إلى النائب السابق مصطفى علوش، والصحافي جورج بكاسيني. وفي الجهة المقابلة، استضاف، إلى وزير السياحة فادي عبّود، كلاً من مستشار الرئيس نجيب ميقاتي خلدون الشريف والصحافي (التائب أو المرتد في قاموس كل من 8 و 14 آذار) غسان جواد. كل أدوات الإثارة كانت جاهزة في حضرة الرجل، الذي يصعب أن ينازعه إعلامي آخر على صدارة الحوارات السياسية التلفزيونية في لبنان.
في البداية، بدت اللعبة ناجحة في عناصر الجذب والإثارة. على أي حال، كان من الصعب أن نتخيل مرسال غانم، بعيداً عن الشاشة في ظرف كهذا. فالرجل يعرف كيف يكسب ثقة المشاهدين ــ على اختلاف توجهاتهم ــ من خلال أداء متميز في العادة، وخبرة في مجادلة أبناء الصالونات السياسية اللبنانية «المهترئة». لهذا، بدا مقبولاً منه هو تحديداً، أن يستضيف نديم قطيش، بعدما كان الأخير قد وقع في خطأ مهني مدمر، حين تحول من صحافي مراقب (كما تفرض أخلاقيات المهنة)، إلى مشــجع على مهاجـــمة مبـــنى حكومي (أو تطويقه أو دخوله أو غير ذلك مما تختلف في تأويله التيارات اللبنانية المتصارعة).
ربما فكّر غانم بمنح قطيش فرصةً للدفاع عن نفسه. لكنّ اللعبة انعكست على صاحب «كلام الناس»، ليخرج من الحلقة وقد أضاع جزءاً كبيراً من رصيده. فغلطة الشاطر، بألف غلطة، كما يقول المثل الشعبي. إذ سأل مرسال الزميل قطيش إن كان ثمّة هناك من دفعه إلى التحريض للهجوم على السرايا، وإن كان قد استشار أحداً قبل خطبته التي صارت شهيرة الآن. جادله كثيراً حول قراره وخطورته. لكن غانم تناسى جوهر القضية، ولم يفرد المساحة الكافية للسؤال الأهم: لماذا لم ينتظر قطيش انتهاء مراسم الجنازة؟ لماذا استعجل في تجييش الناس؟ وفي هذا الاستعجال تكمن الخطيئة الكبرى، إذ أنّ الدعوة بدت محاولة فجة لاستغلال مشاعر الناس، وانتهاز ما يولدّه الألم.
الخطأ الثاني كان في أن غانم سمح لضيوفه أحياناً بإدارة الحلقة بدلاً عنه. ونـقول «سمح»، لأن غانم يعرف تماماً كيف يبقي دفة القيادة بين يديه، ويصعب أن يسحبها منه إعلامي آخر كالزميل قطيش، المــندفع دائمــاً. كما ترك غانم للضيوف الوقت ليصرخوا، أو ليتــناوب كلّ واحد منهم على طرح الأسئلة، كأنه هو المحاور.
أما «الخطيئة» التي ارتكبها غانم، فكانت عندما تنازل عن القاعدة المهنية التي تحتم التحقق من أي معلومة قبل بثها. هكذا، راح ينقل معلومات ترد إليه من مواطنين عبر الهاتف أو «فايسبوك».. وفي حالة مماثلة، لا يجدي نفعاً القول إنّ الخبر نُقل «على ذمة قائله»، فالصحافة ليست مهنة من لا مهنة له، وأقوال «شهود» عيان لا تشكّل خبراً أكيداً. الشاهد هو طرف خيط نحو خبر يتعين التحقق من صحّتة قبل بثه.
ومن الهفوات الكبيرة التي وقع فيها مرسال غانم أمس الأول، قيامه بنقل خبر عن موقع إلكتروني يقول صاحبه، إنّ تلفزيون «المنار»، بث أخباراً عن اعتداءات يقوم بها أبناء طائفة ضدّ آخرين. وقد نقل غانم الخبر على الهواء من دون التحقق منه. هل كان يصعب على الإعلامي الكبير، أو على أحد زملائه في فريق إعداد «كلام الناس»، رصد تلفزيون «المنار»؟ هل يكفي أن يُقال بعد ربع ساعة أو أكثر إن «المنار» أكدت أن الخبر خاطئ، وأن يندم غانم لأنّ الخبر كان «ملفقاً» أو لأنه كان ضحيّة «مصيدة»؟ هل يجوز أن يقع صاحب التاريخ المميز في الحوارات السياسية في «مصيدة»، أياً تكن تلك المصيدة؟ هل يجوز مرور خطأ كهذا، في مرحلة تنفلش فيها الفتنة الطائفية بالشكل الذي نراه؟
صارت الإثارة سلاحاً في يد عدد كبير من العاملين في الإعلام، لافتقادهم إلى المهنية. لكن يفترض أن مرسال غانم هو واحد من الإعلاميين الأكثر احتراماً في الفضاء التلفزيوني اللبناني، وهو بالتأكيد لا يحتاج لأي أداة من أدوات الإثارة لإنجاح برنامجه.