2013/05/29
سامر محمد إسماعيل – السفير
قبل حرب تمّوز 2006، نجحت إسرائيل بالانتصار في كلّ معاركها الإعلامية. وكان فضح الأكاذيب الإسرائيليّة، من أبرز نتائج تلك الحرب. وللحروب النفسية التي يخوضها العدو أوجه عدّة، من بينها التزوير في عدد الشهداء، والكذب في ما يخص ما يقصف وما يصدّ وما يحقق. في العام 2006، أضحت وسائل إعلام المقاومة هي المصدر الموثوق للتيقن من مجريات الحرب.
وللإعلام الإسرائيلي وجه آخر، تبناه منذ العام 1948، يتمثّل في ابتكار «أسماء أدبية» على كل حرب يشّنها الاحتلال على الأراضي العربية. أسماء تتناقض تماماً مع واقع المجازر الدموية التي يرتكبها العدو، وهي أسماء تُكسبه في الأساس تأييد الرأي العام الغربي، إلا أنّها تسميات تؤثّر أيضاً في المتلقي العربي. فخبراء الحرب النفسية الإسرائيليون، في اختيارهم أسماء الحروب، يبدون كمن يضع عناوين «لروايات أدبية». يأتي العدوان الحالي على غزّة وعنوانه «عمود السحاب» بعد سلسلة من الأسماء «الشاعرية» التي تتلقفها أجهزة الإعلام العربية، ويكاد مذيعوها يتلذذون بلفظها في نشرات الأخبار، كأنهم لا يعون وقع تبني تسميات العدّو على جمهورهم، كلّما تكرر.
فمن «الرصاص المسكوب» إلى «مطر الصيف» إلى «عناقيد الغضب» وصولاً إلى عدوان «الشتاء الساخن» في العام 2008 ـ 2009 الذي ذهب ضحيته مئات الشهداء والجرحى من أهل قطاع غزّة المحاصر... وكلها تسميات تبنّاها الإعلام العربي، على أنّها «حيادية»، من دون التمعّن في معانيها أو مآربها. وما يشي به استخدام تلك التسميات من حياد، لا يقتصر على التقارير الإعلاميّة فقط، بل يصل إلى كتّاب في الدراما السورية. فمسلسل «الشتاء الساخن» الذي كتبه السيناريست فؤاد حميرة، اقتبس عنوانه من تسمية الحرب على غزة، ما يطرح سؤالاً ملحاً عن أثر عناوين الحروب الإسرائيلية حتى على النخب العربية، وتأثيرها في الوجدان الجمعي العربي.
«عمود السحاب» هي تسمية مشتقة من كتاب التوراة، وقد رمى من أطلقها إلى استقطاب الرأي العام العالمي، مقتبسا أسطورة ضياع اليهود في صحراء النقب بعد خروجهم من مصر، وظهور «الرب» لهم على هيئة «عمود سحب» يقودهم نهاراً، و«عمود نار» يهديهم ليلاً.
وفي اختيار التسمية أيّضاً ما يوحي للرأي العام الإسرائيلي بأن العدوان الجديد على القطاع ما هو إلا تكريس للنزعة الدينية لمجتمع المستوطنات بأن ما يقوم به جيشهم هو «هداية من الرب»، الذي يقودهم مجدداً في غزة نحو «خلاصهم» من صواريخ المقاومة الفلسطينية.
وتلك إشارة انتبهت لها قناة «الميادين» التي أوردت تقريراً لافتاً في بداية العدوان، تضمّن سرداً تاريخياً لأسماء عشرات الحروب الإسرائيلية، منبهةً إلى خطورة الأثر الذي تتركه هذه التسميات على المواطن العربي لها، ومشيرة إلى أن إسرائيل اكتسبت خبرتها تلك من حروب الولايات المتحدة، التي أسمت القنبلة الذرية التي ألقتها على هيروشيما بـ«الطفل»، بينما أسمت القنبلة الذرية التي ألقتها على ناغازاكي بـ«الطفل البدين».
أمّا مخترعو «توما هوك»، وهو الصاروخ الأميركي الذي قتل الآلاف في كل من العراق وأفغانستان ويوغوسلافيا السابقة، فهو مقتبس «بشاعرية» مختلفة عن حرب إبادة جماعية، ربما باتت قيد النسيان، شنّها الأميركيون ضد السّكان الأصليين لأميركا، والذين باتوا يعرفون بالهنود الحمر. فتوما هوك هو اسم المنجل الذي كان يستخدمه المزارعون الهنود في حصد شتلات التبغ وقطع الخشب، إلا أنه تحوّل إلى واحدة من أعتى أدوات القتل في سلاح مشاة البحرية الأميركية.