2012/07/04
تعقيب على مقال حسان محمود بعنوان "ممثلونا بين التكريم والتعتيم ومساعي التهشيم"
بشّار يوسف حينما قرأت المقال وجدتُ في ثناياه أسىً على ما وصلت إليه حال الدراما السوريّة خاصّة، والإعلام العربيّ عامّة، وأدركتُ أنّ الأستاذ حسّان لم يكتب ما كتب بقصد التشهير بأحد أو من باب الدعاية لأحد، ولكنّه كتب احتجاجاً على بعض المظاهر التي تلوّث الإعلام العربيّ والدراما السوريّة، مما ينعكس سلباً على المتلقي. وكما فعل هو، أودّ أن أكرّر أنني، أيضاً، لستُ "مختصّاً بالدراما وخصوصيّاتها" ولكنّي أودّ أن أبدي بعض الآراء التي أختلف فيها معه. استهلّ الكاتب مقاله بالحديث عن علاقة الفن بالمال، وهذا أمرٌ لا بدّ منه في الأوساط الفنيّة، وهو ما نستطيع ملاحظته في كلّ الدول، وليس حكراً على الدراما أو الممثلين السوريين، وكما هي الحال في هذه الدول، ففي سورية أيضاً نستطيع أن نجد بين الممثلين والمخرجين والمنتجين على حد سواء من يسعى إلى المال والشهرة معاً، ولكن البعض يختار الطريق الأسرع، والبعض الآخر يختار الطريق الأطول والأصعب، والتي من خلالها يقدّم ما يخدم المجتمع بطريقة أو بأخرى، ولا نستطيع إغفال من يكتفي بالعمل الجادّ والدؤوب والالتزام بالمعايير الصحيحة للفنّ. في المحطّة الثانية من المقال ربط الكاتب بين شهرة مسلسل "باب الحارة" ونجوميّة الممثّل مصطفى الخاني. لا شكّ أنّ مسلسلاً من هذا النمط، والذي يحتوي على قدرٍ كبير من الكذب والتزوير في تاريخ مدينة دمشق في تلك الفترة، هو مسلسلٌ تجاريّ من الدرجة الأولى، يركّز على حاجة الشارع العربيّ لمثلٍ أعلى من نمط "أبو شهاب"، كما وصلت "الوقاحة" بالقائمين على هذا العمل إلى إسقاط أحداث المسلسل على معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة. أمّا ما أخالف الكاتب فيه هو قوله إنّ مصطفى الخاني قد نال شهرته هذه من خلال هذا العمل. لقد قدّم مصطفى الخاني مسبقاً العديد من الأدوار "الاستثنائية" في أعمال أخرى لا يمكن أن نطلق عليها اسم التجاريّة، أو أن نصنّفها مع "باب الحارة"، وأذكر منها دورَيه في عملين تاريخيين هما: "الزير سالم" و"سقف العالم". وفي كلّ عمل من أعماله كان يضفي على الدور الذي يلعبه الكثير. حتّى في مسلسل "باب الحارة" فالحركات والأقوال التي قدّمها في العمل، والتي انتشرت بين كافة شرائح المجتمع العربيّ، قد عمل على ابتكارها وتطويرها بنفسه، فكما هو معلوم، كانت شخصيّة (النمس) شخصيّة عاديّة تمثّل أحد المتملّقين والمنتفعين من أيّ شيء وأيّ شخص. وبرأيي المتواضع، فإنّ ما قام به مصطفى الخاني في هذا العمل كان سبباً رئيساً في نجاح الجزء الرابع من المسلسل، واستطاع أن يطغى بظهوره في هذا الجزء على غياب "أبو شهاب" منه، هذا الغياب الي كان يُتوقّع أن يؤثّر على شعبيّة العمل. الجدير بالذكر هنا أنّ مصطفى الخاني هو من أساتذة المعهد العالي للفنون المسرحيّة المتميّزين الذين يشرفون على الأجيال الجديدة المتخرجة من هناك والتي لعبت دوراً أساسياً في تطوّر الدراما السوريّة وسيطرتها على شاشات المحطّات الفضائيّة العربيّة عامّة. النقطة التالية التي تحدّث عنها الكاتب هي الإنتاج والتمويل. قد أتّفق معك أن ما من جهة تموّل عملاً ما إلا وتكون لها غاية مرجوّة من ذلك، سواء كانت ظاهرة أم مبطّنة. ولكن، أختلف معك في جوهر الغاية المبطّنة، ففي اعتقادي الربح المادّي هو المحرّك لهذا التمويل، كما هو المحرّك للحروب التي سمعنا بها أو لم نسمع. هنا أودّ أن أورد أمثلة عن ثلاثة أعمال درامية أعتبرها من أهمّ ما قٌدِّم على الساحة الدرامية العربيّة بشكل عام، والسوريّة بشكل خاصّ. العمل الأوّل هو "الطريق إلى كابُل" من إخراج شوقي الماجري أيضاً الذي كان من إنتاج قطريّ، رغم العلاقات الوطيدة بين قطر الولايات المتحدّة الأمريكيّة، ولكنّه منع من العرض بعض عدّة حلقات بسبب الضغط الذي مارسته الولايات المتحدّة على قطر. العمل الثاني هو "الاجتياح" من إخراج شوقي الماجري. أُنتج هذا العمل عام 2007، وهو يتحدّث عن الاجتياح الإسرائيليّ لمخيم جنين. الغريب في الأمر أنّ المحطّة الوحيدة التي عرضت العمل في شهر رمضان من ذاك العام هي الـ(LBC)، ولم يهتمّ الإعلام العربيّ بهذا المسلسل البتّة إلا مؤخّراً حيث قامت بعرضه محطّات أخرى في السنوات اللاحقة. العمل الثالث، والذي قٌدِّم رمضان الفائت، كان أيضاً من إخراج شوقي الماجري، وبإنتاج مشترك بين سورية ومصر والسعودية، ألا وهو "هدوء نسبي" حيث يتحدّث العمل عن معاناة الصحفيين في الأشهر الأولى من الاحتلال الأمريكيّ للعراق. هنا أودّ أن أسأل الكاتب، أليست لمصر علاقات دبلوماسيّة وتجاريّة مع إسرائيل؟ ألم تصبح السعوديّة، كما هي حال معظم دول الخليج (العربيّ سابقاً)، موطناً للقواعد العسكريّة الأمريكيّة؟ إذن، كيف عمدوا إلى توظيف كلّ هذه الأموال لإنتاج عمل يندد بالتصرّفات اللاإنسانية للجيش الأمريكي حيال الإعلاميين والمدنيين العراقيين؟ بعد ذلك انتقل الكاتب للحديث عن "الكتل الإعلامية" وبشكلّ خاص مجموعة الـ(MBC)، وبشكلّ أخصّ قناة "العربية" الأخباريّة التابعة لها. إنّ عملية الإدانة والتخوين هذه لهي مسيئة للإعلام أكثر من ممارسات الإعلام نفسه. من جهتي أجد قناة العربية "العميلة في رأي الكاتب والعبرية في رأي بعض النقّاد" من أكثر القنوات الأخباريّة مهنيّة وموضوعيّة في نقل الخبر. أمّا إذا اتّبعنا أهواءنا وأطلقنا صفة العمالة على كلّ من يخالف توقّعاتنا وتوجّهاتنا هنا تكون الكارثة، حيث لن نترك محطّة واحدة دون أن نرميها بشتّى التهم، لتصبح "الجزيرة" محطّة أمريكيّة مموّلة بنفط قطر، و"الحرّة" أمريكيّة موجّهة ضدّ بعض القضايا، والـ(BBC) تخدم مصالح بريطانيا في المنطقة... إلخ. من ثمّ خاض الكاتب في غمار تحليل مهنيّة مسلسل "باب الحارة" من جديد، متناولاً كافّة الجوانب المتعلّقة بهذا الموضوع، وهنا أجد نفسي منحازاً إلى صفّ الكاتب في كلّ ما قال وبعض ما لم يقله أيضاً. لذا لا أجد نفسي مضطراً للخوض في الموضوع مرةً أخرى، ليقيني أنّه رغم انكشاف خفايا هذا المسلسل ونواياه التجاريّة الخالصة المستخفّة بقيمنا وقضايانا، فإنّ جزأه الخامس سيلقى الترحيب لدى جمهورنا "الحبيب" الذي "يشحذ النصر على أعدائنا من عنده تعالى." النقطة الأخيرة التي أودّ أن أدلو بدلوي فيها هي "عالميّة" غسان مسعود. قد لا يعجب البعض ما سأقول، ولكنّه، من منطلق حريّة الرأي والتعبير، جديرٌ بأن يُذكر. إنّ العالميّة التي يتحدّث عنها الكاتب جاءت لسبب واحد باعتقادي ألا وهو ملاءمة الشكل الخارجيّ للفنان غسان مسعود لدور صلاح الدين الأيوبيّ. أما من الناحية الفنيّة، فأجد أن معظم الأدوار التي قام بها غسان مسعود متشابهة ولا أجد فيها، كمتلقّي، أيّ عمل إبداعي. وفي السياق ذاته، أجد أنّ هناك العديد من الممثلين السوريين الذين يستحقّون العالمية أكثر، وأخصّ بالذكر مثلاً ألأستاذ، بحقّ، بسام كوسا. لست بصدد المقارنة والتشهير والدعاية هنا، لكن وددت أن أنوّه إلى القدرة الإبداعيّة لدى هذا الفنان والتي استطاع توظيفها في أهمّ الأعمال الدراميّة والمسرحيّة والسينمائيّة في خدمة المجتمع السوريّ.