2013/05/29
ينقلنا مسلسل "عن الخوف والعزلة" في متاهات النفس البشرية المعقدة، ولا يقف عند حاجز الصمت في العلاقات الاجتماعية بل يتعداه إلى حاجز الصمت/الكلام داخل شخصياته المشبعة بأوهان العادات والتقاليد والمسموح والمحرم. وليس غريباً على كاتب المسلسل، فادي قوشقجي، هذا الأمر بعد مسلسله الصادم "ليس سراباً" المحاذي في قصته الجريئة حدّ الصدمة. وأقول الصدمة لأن واقعيته المتعبة كانت مُرّة وحزينة لدرجة أننا توقفنا لبرهة وتساءلنا... هل حقاً يستحق الحب كل هذه التضحية؟. أما "عن الخوف والعزلة" فهو قصيدة واقعية عن عوالم الإنسان السرية، عوالم الإنسان الباحث عن الحب والمتلهف، في نفس الوقت، لتنصيب أناه فوق كل اعتبارات عاطفية ونفسية لمن حوله حتى لو كانوا أقرب الناس إليه.. الازدواجية النفسية والاجتماعية التي عاشتها شخصيات العمل جميعها، وهنا مربط الفرس، كانت واقعية وغنية وصادمة بل ورائدة لأننا قلما نشاهد عملاً تحمل شخصياته الرئيسية كل هذا البعد النفسي بعيداً عن النظرة التقليدية للشخصيات في العمل الدرامي والتي تضع الشخصية بين سندان الخير ومطرقة الشر. وفي حديث الشخصيات نقابل أكرم (عبد المنعم عمايري) أكبر الأخوة الأربعة في المسلسل، وهو موظف حكومي في ظاهر شخصيته إنسان ملتزم ومحافظ ولكنه يعاني عقداً نفسية وجنسية وفساداً إدارياً في عمله، كما يفشل في خطباته المتكررة. أما لميس (كاريس بشار) تظهر كمدرّسة لغة متعلمة ومتزنة لكنها تعيش قصة حب محرمة مع زوج صديقتها وبدلاً من إصلاح ذات البين بينهما (ظاهرها) فهي تعمل على إزكاء نار الخلاف (باطنها) لينفرد لها الجو مع حبيبها الذي يموت لتجد نفسها تقبل خطبة خال إحدى طالباتها الذي يريد (بنتاً ما باس تمها غير أمها)!!!. وبسمة (ميسون أبو أسعد) الصيدلانية العقلانية الناشدة للحب المثالي ترتبط عاطفياً بغسان (خالد القيش) ليتضح فيما بعد أنه مخادع وكذاب فترتبط بعدها، كردة فعل عاطفية، بصديق أخيها وتعود لتثبت أنها غير عقلانية بل غبية وتقع في براثن ذات الشخص غسان الذي يهجرها آخر الأمر. أما حسام (رامي حنا)، وربما يكون أقل الشخصيات ازدواجية، فهو مدرس كمبيوتر يقع في هوى نجوى التي تغير نظرته تجاه المرأة بعد علاقاته المتعددة ليرتبطا في نهاية المسلسل ويكونا بارقة الأمل الوحيدة في هذا العمل. تمتد الازدواجية لتشمل الشخصيات الثانوية في المسلسل حتى نظن أننا نتنفس النفاق والتناقض في حياتنا. هذه الواقعية الصادمة هي مفتاح تميز هذا العمل. في العمل محوران للصراع، الصراع الذي يتخبط داخل الإنسان نتيجة بحثه عن الحب، هذا الصراع العاطفي/النفسي الذي يتغلف بالسرية والكتمان (سر علاقة لميس /سر الأب المتوفى/ سر بسمة/ سر المسؤول/ سر غسان/ سر أخي نجوى المختفي...الخ) وإرادة البوح عند الشخصيات فالكل يتوق إلى البوح الذي يطهر النفس من الآثام، لكن البوح دائماً ما يتقاطع مع أنانية الشخصيات .. وهكذا يبقى هذا الصراع مفتوحاً. أما الصراع الثاني فهو صراع قيم بين مجموعة تعتبر الأخلاق والقيم ميزة إنسانية وعلى كل فرد أن يلتزم بما يدعيه من شفافية تجاه بلده ومجتمعه ولا يكتفي بالتنظير (يمثل هذه المجموعة المدير العام: سليم صبري) ومجموعة ثانية (يمثلها غسان: خالد القيش) تجد التطور الحضاري تطوراً للأخلاق الفردية التي تنشد الوصول بأية وسيلة كانت، وبراعة أي متسلق انتهازي هي ميزة تشرعها له قوانين مصلحته الشخصية. قدم العمل، بشكل جريء مفاهيم العلاقات المفتوحة داخل مجتمعنا، والتي يحاول معظم كتاب الدراما الواقعية عدم الخوض في غمارها لاعتبارات أيديولوجية، وهي نقطة تحسب لصالح المؤلف، الذي لازال يفاجئنا ويصدمنا بمسلسلاته. عهد صبيحة