2013/05/29
سامر محمد إسماعيل – تشرين
نظرة خاطفة إلى طبيعة الأعمال التي قدمتها الدراما السورية خلال العقد الماضي، ستبين لنا مدى الانحراف والتشويه الذي طال هذه «الصناعة الوطنية» كما يطيب للبعض تسميتها،
فالمال الجاهل استطاع وعبر فضائياته ذوات «الخمس نجوم» أن ينقل الدراما التلفزيونية الوطنية من مشروع تنويري حضاري إلى مشروع - في جزء كبير منه- يطمح إلى تزوير المدينة السورية، وشطب شخصيتها الثقافية، فمن ينسى تلك الأعمال التي قدمها التلفزيون العربي السوري منذ انطلاقته عام 1960، من «حارة القصر» و«أسعد الوراق» و«صح النوم» وصولاً إلى «دمشق يا بسمة الحزن» و«شجرة النارنج»؟ من يستطيع أن ينسى تلك الأعمال وسواها من المسلسلات التي كانت سورية صرفاً بامتياز؟ حينها كانت الصورة تضج بعبق محليتها، بقدرتها على التقاط الراهن بحساسية غاية في البراءة والعفوية والصدق، حيث لم تكن هناك تلك المحطات الناطقة بالعربية التي جهدت على مدار قرابة العشرين عاماً الماضية على فرض أجندتها المريبة على معظم الإنتاج الدرامي السوري، محوّلةً إياه إلى «إنتاج تحت الطلب» إنتاج على مزاج السوق النفطية الجديدة، إنتاج يعج بـ«أبواب الحارة» و«سبايا» المال الخليجي، وولادات الخاصرة والغزلان والذئاب والخبز الحرام. هنا تتراجع الذاكرة إلى آخر ما قدمه المخرج حاتم علي في «أحلام كبيرة» و«التغريبة الفلسطينية» و«عصي الدمع» ليذهب المال بهذه المشروعات نحو تلفزة أشعار الربع الخالي، وإنجاز ملاحم رملية عن بطولات «الثأر» وفلكلور القبيلة، هنا توضع رواية «زمن الخيول البيضاء» التي تتكلم عن فترة الانتداب البريطاني على فلسطين في الأدراج، ليتقدم مشروع الفنان باسل الخطيب نحو «أنا القدس» رغم معرفة الخطيب أن المحطات النفطية لن تعرض هذا العمل، بل ستحاصره، كما يتقدم مشروع المخرج نجدة إسماعيل أنزور في «رجال الحسم» و«ما ملكت أيمانكم» ليؤكد على ثقافة رد الصاع لمشروع رجعي اشترى من اشترى لإخراج أشعارهم ومآثرهم في الغزو!! كما يتقدم كل من مشروع الفنان سمير حسين في «قاع المدينة» و«حائرات» والمخرج المثنى صبح في «ليس سراباً» والمخرج الليث حجو في «الانتظار» مراهنين على دراما المدينة، دراما سورية غير مستلبة للمال ولمزاج المشيخات النفطية. هنا أيضاً يستطيع المشاهد أن يبحث وبروية عن تلك الأعمال التي قدمها كل من هيثم حقي وغسان باخوس، هشام شربتجي، وعلاء الدين كوكش، وخلدون المالح، وعبد الغني بلاط، وفهد ميري، ليرى مسلسلاً مثل «لك يا شام» أو «أبو كامل» أو حتى «هجرة القلوب إلى القلوب» و«أسرار المدينة» كتحف فنية غاية في الجودة والقدرة على عكس نقاء الشخصية السورية، لا اللجوء إلى تدجين الصورة وتزييفها عبر أزمنة البراغيث، تلك الأزمنة التي استخدمت المادة الشعبية الخفيفة لتصوغ منها فكرتها عن ثقافة شعبٍ بأكمله، مروجةً لزمن الحريم وسفاح القربى، وشراء الذمم، وموت العدالة.