2012/07/04
فؤاد مسعد - الثورة
سعت الدراما السورية لأن تعكس نبض الشارع بصدق فقاربت هموم الإنسان العادي وطرحت قضاياه المختلفة على الصعيدين العام والخاص ، فتناولت القضايا الكبيرة والشائكة
ولم تكتفِ بأن تطفو على سطحها أو أن تطرح معالمها الخارجية فقط، وإنما غاصت في العمق حتى أن العديد من المحطات الفضائية العربية كانت ترفض عرض أعمال أو تشطب وتقص من أعمال أخرى بسبب جرأتها محاولتها لكسر تابوهات الرقابات العربية . كما تناولت الدراما القضايا الحياتية اليومية للمواطن بدأ من أبسط المشكلات إلى أعقدها ، تارة تقسو بقصد إحداث صدمة مؤثرة وتارة تعتمد الشفافية لتمرر رسالتها بسلاسة إلى القلب والذهن معاً . واجتهدت لتكون أقرب ما يكون للمصداقية فنزلت إلى الشارع بكاميرتها وغاصت إلى عمق الواقع ونهلت منه مُظهرة الصورة الحقيقية فتحولت إلى دراما من لحم ودم وروح ملتصقة بالبيئة والعادات والرؤى لابن الشارع العادي، ومن هنا كان سر نجاحها .
دائماً كانت تقدم الدراما السورية الجديد على صعيد الموضوعات ، وهنا لا يمكننا الإنكار أنها وقعت في أحيانٍ عدة بفخ (الموضة) أو الاستنساخ، ولكن هذا الفخ تحوّل عند الكثير من المبدعين إلى حافز لتقديم وجهات نظر مختلفة حول موضوعات تتقارب هنا و تتباعد هناك ، وفي المجمل تطرقت هذه الأعمال للكثير من الأفكار والقضايا وتناولت ما كان مسكوت عنه في الدراما العربية محققة قفزة قربتها أكثر فأكثر من الجمهور وجعلتها أكثر واقعية ، ومن الموضوعات التي تم طرحها في الدراما السورية موضوع الفساد الذي نال نصيباً كبيراً من المعالجة وكانت النصوص المُقدمة تنوس بين المقاربة الخجلة والجرأة المندفعة الممتلكة لحجة الإقناع، وتناولت الكثير من المسلسلات الفساد بأشكال مختلفة، ناقدة منبهة واضعة يدها على الجرح كاشفة ما خفي منه، وإن عدنا إلى خارطة ما قُدم من مسلسلات درامية خلال السنوات الخمس الأخيرة نجد (على سبيل المثال لاالحصر) من الأعمال التي تناولت موضوع الفساد بجرأة (أحقاد خفية) لمروان بركات ، (غزلان في غابة الذئاب) لرشا شربتجي ، (قاع المدينة) لسمير حسين ، (بقعة ضوء) (مرايا).. إضافة لذلك هناك (رياح الخماسين) الذي طرح موضوع حساس يتعلق بسجين سياسي خارج من السجن للتـــو ، فكيف ستكون حياته وما موقفه من الفساد الذي سيراه .
ومن الطروحات الهامة التي تم تناولها أيضاً هناك: جدلية السلطة والمال ، المخدرات ، المعوقين وآلية دمجهم في المجتمع ، المشكلات الاجتماعية وقضايا الشباب وعالم المراهقين ، الخيانة ، الجاسوسية (رجال الحسم) لنجدة أنزور، الوعي ودور الشعوذة (ليل ورجال) لسمير حسين ، الإيدز (حاجز الصمت ـ الخط الحمر) إخراج يوسف رزق ، الحرب على العراق (هدوء نسبي) للمخرج شوقي الماجري ، الإرهاب ، السكن العشوائي ، الموضوعات التي تمس قضايا سياسية راهنة ، القضية الفلسطينية (يحيى عياش) لباسل الخطيب و (التغريبة الفلسطينية) للمخرج حاتم علي ، كما تم تقديم أعمال تندرج ضمن الإطار الوطني والقومي تحدثت عن الأرض والمقاومة والصراع مع العدو لتؤكد على أهمية كرامة الإنسان العربي ..
وتناولت الدراما التاريخ القريب بجرأة كما هي الحال في مسلسل (لعنة الطين) للمخرج أحمد ابراهيم أحمد .. وإن كان ذلك غض من فيض فهناك الجديد دائماً وبما أن الحياة بحر لا ينضب من الحكايا والأفراح والأحزان والأحداث كذلك هي حال الدراما التي تستمد نسغ شرعيتها من ملامستها لحال الناس .
ويُحسب للدراما السورية أنها لم ترتهن للواقع المعاش فقط وإنما انطلقت منه لاستشراف المستقبل وتوقع النتائج على أرضية المُقدِمات المطروحة ، فبادرت لإعطاء رؤى وقرعت جرس الإنذار حين استجوب أن يُقرع ولعبت دوراً فاعلاً في تعميق الوعي لدى المتلقي وشحذ مخيلته ودفعه لإجراء المقارنات والمحاكمات في ذهنه حول الكثير من الأمور المحيطة بنا والتي تنعشها فعلاً ، كما أنها نبّهت لما يمكن أن يتربص بشبابنا وأمتنا.
كما نبهت لخطر الفساد وكشفت آلياته وسلطت الضوء في كثير من الأحيان على أساليبه وطرقه الملتوية .