2012/07/04
د.نهلة عيسى - تشرين دراما
في الحملات الانتخابية، يكثر الكذب والرياء، لأسباب تبدو موضوعية، وإن كانت غير أخلاقية، هي الرغبة في نيل مقعد نيابي، وبعض الحظوة والسلطة.
أما في مواسم بيع الوطن، يصبح الكذب ديناً ومذهباً ومنهجاً، والأخطر أنه يصبح وسيلة مشروعة، تتم ممارستها عن قناعة تامة بأنها طريق إلى الهدف!.
وهو طريق مفروش في عصرنا هذا بالتكنولوجيا المتقدمة وأجهزة الكمبيوتر وفضاء الشبكات وهيمنة المرئي، التي تفرض سلطتها عبر الحركة التي تنتشر بها، لتكتسب رعايا، تأجيجهم يؤكد قبضة السلطة الممارسة عليهم.
فحقيقة كون الفرد أو إيهامه بأنه مرئي بلا انقطاع وعلى الدوام تحافظ على نظام خضوعه، ليصبح الفحص والملاحظة والصورة هي التقنية أو الأدوات التي تقبض بها السلطات الجديدة على رعاياها، كطريقة للحكم أو الاستعمار الجديد، عبر الأشخاص إلى الأشياء، والآخر مهما كان مختلفاً إلى مصدر من مصادر الحسد الثقافي باعتباره النموذج، وهكذا فالمستعمر الجديد (النموذج) لا يحتاج للحضور واقعياً على الأرض بدباباته وجنوده، لأن الشخص المرئي يشهد على وجوده!!
والشخص المرئي شاهد عيان، تتحول رؤية الوطن من خلاله إلى حديث جديد تماماً، لا يمكن قراءة أبعاده إلا عبر تفكيك غموض الصور التكنولوجية التي ينقلها، ليصير الوطن خارطة من البرمجيات والروابط التشعبية والأصوات الشبحية والعوالم الافتراضية، ولتتحول حياة مواطنيه إلى صور مصنعة ومخلقة تباع في الفضائيات وبنوك المعلومات بعد أن كانت فيما سبق خاصة بهم، والأقبح أن هذه الحياة المصنعة تفرض عليهم على أنها حقيقة ليجبروا على العيش في علاقة مختلفة تماماً بالمكان والزمان والتجربة الوجودية والهوية الوطنية.
وليصبح فضاء الوطن الذي كان منيعاً مباحاً ومشبعاً تماماً بالصور التي استعمرته، وليترجم ما كان حقيقاً وأصلياً ولا يمكن قوله أو التعبير عنه سوى بعيشه إلى مجرد صورة تمحوها أخرى، وتغتالها الوفرة!!.