2013/05/29
خاص بوسطة – محمد الأزن
حدث في دمشق يوجه رسالة معاصرة لكل السوريين.
"أنا وصدّام" يستعيد راهنيته وسيكون على جزأين.
مشروعي في الشعر لا ينفصل عنه في الدراما.
هناك أناس مصابون بلعنة الأوطان، وأنا منهم.
في مقابلةٍ خصّ بها موقع «بوسطة» تحدث الشاعر والكاتب عدنان العودة عن ملامح مشروعه الدرامي، والشعري، بدءاً من "فنجان الدم" وصولاً إلى "بيّاعة الزنبق"، وبينهما "حدث في دمشق" المسلسل الذي سيكون على قائمة عروض الموسم الرمضاني المقبل 2013 بتوقيع المخرج باسل الخطيب، وتناولنا في حديثنا مع العودة أسباب نشاطه المتزايد مؤخراً في العالم الافتراضي، وختم بأبيات من ديوانه الشعري الجديد "سكران المجانين"..
وتالياً نص المقابلة:
لماذا اخترتم رواية "وداد من حلب" لتحويلها إلى عمل تلفزيوني خلال هذه المرحلة؟
"نتيجة للظرف السياسي الذي تمر به بالبلاد، يعيش المجتمع السوري حالة داميةً ومحزنة، ويميل إلى التفكك والتمزق، وأرى أن وظيفة الفن في المرحلة الراهنة هو التبصر، وأخذ المنحى العقلاني، وممارسة دور إيجابي في إعادة اللحمة لمجتمعنا، وهنا تأتي أهمية (حدث في دمشق) كعمل تلفزيوني تدور أحداثه في دمشق بين عامي 1947 و2001، لكنّه يوجه رسالة معاصرة لكل السوريين، حول ضرورة المحافظة على نسيجهم الاجتماعي الذي يميز هذا البلد بوصفه بلد متعايش، يضم العديد من القوميات، والأديان، والطوائف، وتأتي هذه الرسالة عبر شخصية (وداد) اليهودية الدمشقية، التي تبقى محافظة على انتمائها للوطن، برغم كل السنوات التي أبعدتها عنه، وقادتها إلى نيويورك في نهاية المطاف، وذلك جراء الظروف السياسية التي عاشها اليهود خلال مرحلة من تاريخ سوريا."
الرواية تدور أحداثها في حلب، أما المسلسل فتجري وقائع حكايته بدمشق؛ إذا أخذنا بعين الاعتبار اختلاف السمات الاجتماعية، والمزاج السياسي السائد في هاتين المدينتين، خلال تلك المرحلة من تاريخ سوريا... أليس من شأن هذا التحويل أن يغيّر من مسار الأحداث فعلياً؟
"بنية الحكاية، وطبيعة الشخصيات، وسيرورة الأحداث، يمكن أن تجري في دمشق أو حلب، أو أي محافظة سورية أخرى، والمدينتان برأيي تشبهان بعضهما البعض، من حيث التركيبة السكّانية، والمزاج العام، وإن كان لكلٍّ منهما نكهتها، وخلال عملية التحويل من عمل حلبي إلى شامي حافظت على المفاصل الرئيسية للحكاية، ومقولة العمل، وما تغير فقط هو حضور المكان، وذلك للأسباب التي شرحناها سابقاً، ومنها استحالة التصوير بحلب، وعلى هذا الأساس تم استبدال (الجميلية بحارة اليهود)، و(حي الفرافرة بساروجا)، و (مقهى الأفندي بالهافانا).. وهكذا، وذلك بما يعطي العمل نكهة دمشقية، مع إصراري منذ البداية على ألا يكون مسلسلاً بيئياً، أما فيما يتعلق بالواقع السياسي الذي كانت تعيشه المدينتان خلال تلك المرحلة، فمن وجهة نظري يبدو المشهد السياسي واحداً، رغم انقسام الكتلة الوطنية بعد الاستقلال إلى حزب الشعب في حلب، والحزب الوطني بدمشق، ولكن بكل تأكيد لم يقتصر ولاء الحلبيين أو الدمشقيين على أحد الحزبين دون الثاني، حيث كان هناك تنوع سياسي بين سكان المدينة الواحدة، وبكل الأحوال تمتد أحدث العمل في مرحلته الأولى حتى شهر أيار 1948، ولم نصل إلى مرحلة الانقلابات العسكرية في سوريا... وفي النهاية: العمل التلفزيوني شيء، والرواية شيء مختلف، ولايمكن محاكمة أي منهما على أنّه الآخر."
قبل "توق" في 2011، و"حدث في دمشق" 2013 تداولت الصحافة الكثير من الأخبار عن مشروع مسلسل يجمعك مع المخرج الليث حجو بعنوان "أنا وصدّام"، لماذا توقف هذا المشروع، وهل هناك قابلية لاستئنافه لاحقاً..؟
"عادةً ما أبحث عن مشاريع إشكالية، وتطرح أسئلة معاصرة... (أنا وصدّام) كان يبدو كذلك على الأقل قبل قيام ثورات الربيع العربي، خاصةً أنه يتناول الأحداث التي عاشتها المنطقة العربية بين 11 أيلول/سبتمبر 2001، واحتلال العراق في 2003، ولكن بمجرد إنجاز عشر حلقات من المسلسل قامت ثورة تونس، وكنت أحس بأن السلسلة ستمتد، أو على الأقل ستلاقي صداها في بلدان عربية أخرى، وبالتالي قررت التوقف لكي أتأمل المشهد، ويتسنى لي معرفة ما سيحل بتركيبة المجتمعات العربية، بسبب ما يجري، وأعتقد أنه بعد مرور عامين على ما شهدته المنطقة، يستعيد هذا المشروع راهنيته، وأسعى إلى استكماله خلال المرحلة المقبلة، بحيث تكون شخصيات العمل التي تمارس فعلها في سوريا، تلاقي صداها بالعراق... وهكذا، مما يعطي المسلسل طابعاً ملحمياً تمتد أحداثه منذ عام 1957 إلى 2013، انطلاقاً من حكاية مواطن سوري يلتقي صدفةً بصدّام حسين بعد محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، ولم يكن يعرف من هو صدّام، ثم تنشأ بينهما علاقة افتراضية تشكل المحور الرئيسي للأحداث."
من الملفت أن بوصلتك تتجه أولاً إلى الليث حجو عند تفكيرك بمشروع جديد، رغم أنك تعاونت مع مخرجين آخرين، هل لنا أن نسأل عن سر هذا التعاون؟
"قدمنّا معاً مشروعنا الأوّل (فنجان الدم)، وأصبح بيننا ما يشبه الانسجام الفكري، والفني، وهذا لا يعني أن الانسجام لم يكن موجوداً مع حاتم، أو شوقي، أو أسماء أخرى، لكن الليث بطبيعة الحال مخرج يميل إلى مشاريع يكون صانعاً فيها، وعادةً ما نفكّر معاً ماالذي يمكن أن نقدّمه الموسم المقبل، أو الذي يليه؟، ورغم أننا لم نتعاون إلا في عملٍ واحد حتى تاريخه، فهناك على ما أعتقد الكثير من التقاطعات الفكرية فيما بيننا، بفهم الدراما، ووظيفتها خلال الوقت الراهن."
مشروعك الأوّل مع حجّو، أطلق سلسلة من الأعمال البدوية التي اتسمت بنكهة خاصّة، لكنّها اتهمت بأنها أتت على مقاس رأس المال الخليجي الذي استثمر بغزارة في الدراما السورية خلال السنوات الماضية... ما تعليقك على ذلك؟
"على العكس.. أرى بأن رأس المال الخليجي لايميل إلى هذا النوع من الأعمال، بل يرغب بتقديم البدو بصيغة جمالية، تتناسب مع ذائقته، ولا يريد أعمالاً تحث المشاهد العربي على إعادة التفكير بفهم تركيبته الاجتماعية، ليتقدم إلى الأمام، وبهذا المقياس يمكنني اعتبار (فنجان الدم) عملاً مفصلياً في تاريخ الدراما البدوية، وتلاه (أبواب الغيم) لـ حاتم علي، ورغم كونه من خيال، وأشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلا أنني أخذته باتجاه آخر، من فانتازي سحري، إلى واقعي، وكذلك الأمر بالنسبة لـ( توق) من تأليف الأمير بدر بن عبد المحسن، وإخراج شوقي الماجري."
ويضيف عدنان العودة:
"كتبت (فنجان الدم) بمجرد تخرجي من المعهد العالي للفنون المسرحية، وبطبيعة الحال لم تكن الأعمال البدوية رائجة في تلك الفترة، بل التاريخية، لكنني حرصت على المستوى الشخصي أن أتحدث عن مرجعيتي، ليست البيئية فقط –باعتباري أنتمي لقبيلة بدوية-، ولكن أردت مناقشة الإرث البدوي الذي يشكل برأيي المؤشر، أوالمزاج العام للمجتمعات العربية، وتأخر هذا المشروع لعدم وجود جهات إنتاجية تتبناه، وتقدمه بالصورة الأمثل، لأن الكل كان يميل إلى دراما سياحية تقدم البدو، على أنهم معزولون في الصحراء، وبعيدون عمّا شهدته منطقتنا من حراك سياسي، واجتماعي، رغم إصراري على أن أهم حدث مرّت به المنطقة مطلع القرن الماضي، قام على أكتاف القبائل البدوية، وهو الثورة العربية الكبري التي أتت نتيجة لعلاقة (لورنس العرب) بهم، مما أدى لظهور (العائلة الهاشمية)، وعائلات ملكية عربية أخرى، وأنا مصّر حتى هذه اللحظة أن بنية مجتمعاتنا، هي قبلية على المستوى السياسي، والاجتماعي، والحياتي.."
ولكن إذا كان المقصود من الأعمال البيئية إثارة الأسئلة حول بنية المجتمع العربي، إلا أنها تتهم بإعادة المشاهد إلى الوراء، أو تغييبه عن واقعه المعاش، ومنها بطبيعة الحال الأعمال البدوية التي كتبها أنت... ما قولك في هذا الرأي؟
"تلقّي الدراما اعتباطي، ولايمكنك معرفة لماذا يتابع المشاهد عملاً دون آخر؟، ما يمكنني قوله إن قالب العمل، وبيئته ليس مهماً، لأنه قد تـُقـَدّم أعمال معاصرة لكنهّا تنطوي على أفكار رجعية، وأخرى تاريخية تنطوي على مقولات تقدمية، بالنسبة لأعمالي الثلاثة السابقة التي تحدثنا عنها، والرابع "حدث في دمشق" –الذي تجري أحداثه في زمنين كما ذكرنا-، بكل تلك الأعمال أذهب إلى التاريخ لتناول قضايا معاصرة،.... ربما يميل الناس مؤخراً إلى دراما العشوائيات، لأنها تحاكي ما هو يومي، ومعاش، ويشعرون بأنّ تلك الحكاية حكايتهم، لكنّها ليست الجانب الوحيد في حياتهم، وهذا يشبه الفرق بين أعمال سعد الله ونوس، والماغوط بالمسرح... إلا أنّه لا يجعل عملاً أفضل من غيره، فهناك مشاهدون يميلون إلى هذا النوع، أو ذاك، وكلاهما يكمل الآخر."
أنت لست فقط سيناريست، وإنما شاعر أيضاً، أي هذين الجانبين يغلب على شخصيتك؟، الشاعر أم الكاتب؟
"مشروعي في الشعر لا ينفصل عنه في الدراما، وكلاهما منسجمان مع بعضهما البعض، وأجد نفسي معنياً بجماليات اللهجات العاميّة السورية بمستوياتها المتعددة، سواءً الشاميّة الوسيطة التي نتحدثها جميعاً، أو لهجة أهل الفرات، وغيرها، واهتمامي باللهجة يأتي من رؤيتي لها باعتبارها الحاضن الرئيسي للفكر، وهذا يظهر بوضوح بعمليّ المسرحيين: (المرود والمكحلة)، و(خيل تايهة)، وفي ديواني الشعري (سكران المجانين)، الذي جمعت فيه مؤخراً قصائد بالعاميةّ كتبتها على مدى سنوات."
ماذا عن قصائدك المغنّاة، حيث غنىّ من كلماتك خلال السنوات الأخيرة الماضية العديد من الفرق الموسيقية، والمغنين السوريين، وصولاً إلى "بياعة الزنبق" عملك الأخير مع إياد الريماوي؟
"لم أكتب أشعاراً بقصد أن تغنّى، لكن مجموعة من الموسيقيين السوريين كـ (طاهر مامللي، رضوان نصري، وفرقتي جين، وكلنا سوا)، وأسماء أخرى؛ اطلّعوا على تجربتي الشعرية، وأختاروا منها قصائد، لحنّوها وغنّوها، وأطلقت مؤخراً مع الموسيقي إياد الريماوي، أغنية (بياعة الزنبق) من غنائه مع بسمة جبر، وتم بثّها على موقع You Tube في كليب من إخراج سامر برقاوي، وهي جزء من مشروع غير ربحي، أتى حصيلة تفكير مشترك بيني وبين الريماوي، يعيد الاعتبار لكاتب الكلمات والملحن، بخلاف السائد في سوق الأغنية العربية، وذلك بالاستعانة بأصوات غنائية سورية، للتعبير عن موضوعات تحاكي الوضع الراهن الذي نعيشه، ويستفيد هذا المشروع من تقنيات الوسائط المتعددة على شبكة الإنترنت، باعتبار أنه لاتوجد لدينا سوق أغنية بسوريا."
على ذكر الوسائط المتعددة، وفي ظل رواج مواقع التواصل الاجتماعي كوسائل للتعبير، هل ينطبق عليك وصف الكائن الفيسبوكي، خاصةً أنك تعتبر من المستخدمين النشطين لموقع "فيسبوك"؟
"مضى عامان على بدء استخدامي (فيسبوك)، وبطبيعة الحال الظرف الأمني الذي تعيشه سوريا مؤخراً؛ انعكس على واقعنا الحياتي، حيث لم نعد قادرين على الخروج لرؤية الأصدقاء، أو ممارسة أنشطتنا السابقة كما المعتاد، كأن نلتقي مع أصدقائنا في (بيت القصيد) ونلقي الشعر كل يوم إثنين، أو نذهب لحضور المسرح، بمعنى أننا افتقدنا لنشاطنا اليومي التفاعلي، وهذا جعلنا نعيش في منازلنا شبه عزلة إجبارية، ونجد ملاذنا في العالم الافتراضي، لنقول ما نشعر، أو نفكّر به، ولكن مواقع التواصل الاجتماعي لا تغني عن الواقع الحقيقي، وأعتقد أنّه بمجرد عودة الحياة إلى طبيعتها، سيتراجع نشاطي عليها."
بما تحمله من ثقافة ومرجعية بدوية، تتجلى بوضوح في أعمالك، وتعليقاتك في العالم الافتراضي؛ كيف تعيش تفاصيل حياتك اليومية بدمشق، في ظل الظروف التي تشهدها البلاد مؤخراً؟ وهل تفكر بمغادرتها؟
"أعتقد أن الأسؤا قد مر، ولم أفكّر بالمغادرة، هناك أناس مصابون بلعنة الأوطان، وأنا منهم، جربت طبعاً مغادرة دمشق، لكنني لم أستطع التنفس خارج هذا المكان، المنطقة التي أسكن فيها تبدو أكثر هدوءاً من غيرها نوعاً ما، ولا أدري إذا تغير الوضع، هل سأغادر، أم لا؟... وفيما يتعلق بالشق الآخر من سؤالك حول فكرة مرجعتي البدوية، والدلالات التي تحملها؛ فأنا أعيش مثلما يعيش باقي الناس في هذه البلد، والرهان في النهاية هو على انتمائنا لهذا الوجود الذي اسمه سوريا، والتجانس مع أبنائه، والتفكير في حلم مشترك، نسعى لتحقيقه: بلد مستقر، ديمقراطي، وتعددي."
عدنان العودة.. في ختام هذه المقابلة... كلمة أخيرة لقرّاء موقع «بوسطة»..
"أفضل أن أقول كلماتي الأخيرة... شعراً... وفي ذات السياق الذي تحدثت عنه فيما يتعلق بجماليات اللغة، وراهنية ما نعيشه:
(وقلت رح حن... بلكي الحنين بيرد اللي ماتوا.. واللي سافروا... واللي غرقوا بمتر خيمة، وشبر طين...
وقلت رح عن.. لتهرب الطيّارة بعيد.. واللي بيتقاتلوا بينسوا البواريد، ويلعبوا شدّة... والرهن ياسمين..
وقلت رح جن.. وامشي بشوارع الشام.. حافي بلا تياب، بيلحقوني الولاد... وبيقولوا مجنون.. بس حنون.. بصرخ أنا سوريا... ياسوريا.. كلنا فيكي صرنا مجانين..)
أيها السوريون... اعقلوا وفكّروا ببلدكم.