2012/07/04
مصطفى عبدالرحيم – دار الخليج
عكست أفلام المخرج المصري عاطف الطيب شخصيته الفنية والإنسانية، فهو “البريء” الذي إنحاز منذ اللحظة الأولى لهموم البسطاء وناقش قضاياهم، و”ابن البلد” الذي وقف “ضد الحكومة”، وشكل من طاقمه “كتيبة إعدام” ليحارب بها الفساد و”كشف المستور” . حفر اسمه بين رواد الواقعية المصرية، لأنه أجبر كاميراته على أن تنقل الحقيقة بشكل فني منقطع النظير .
على الرغم من قصر أن عمره الفني، إلا أن الطيب الذي رحل في 23 يونيو/حزيران 1995 كان أنشط مخرجي جيله، وفي أقل من خمسة عشر عاماً، قدم واحداً وعشرين فيلماً سينمائياً . كما عُرف بالدقة في اختيار موضوعاته والحرص على مناقشة القضايا المهمة، حتى في معالجاته الكوميدية كان يدس السم في العسل، ويضحك الناس على أنفسهم من شدة الأسى . وعلى طريقته المميزة في الإخراج، ترك طيب السينما المصرية نهايته السينمائية مفتوحة، في فيلمه “جبر الخواطر” الذي مات قبل أن يكمله .
ولد عاطف الطيب في 26 ديسمبر/كانون الأول 1947 في صعيد مصر، وكانت نشأته في منطقة بولاق الدكرور الشعبية في القاهرة، أحب التمثيل منذ طفولته، وبات يحلم بأن يكون نجماً . بدأ عشقه للسينما في المرحلة الإعدادية، ولاحظ أثناء متابعته لما جذبه من أفلام، أن هناك شخصاً يحرك ويتحكم في العمل، لكنه لم يفهم من هو حتى أنقذه مدرس اللغة الإنجليزية بمدرسته الثانوية، عندما كان يحدثهم عن أهمية الفن في حياة المجتمع، وعرف منه أن المخرج هو العمود الفقري للفيلم السينمائي، عندها قرر عاطف الطيب أن يكون مخرجاً، ومن ثم التحق بالمعهد العالي للسينما بالقاهرة في 1967 .
تخرج عاطف الطيب في المعهد العالي للسينما قسم إخراج عام ،1970 وعمل أثناء الدراسة مساعداً للإخراج مع مدحت بكير في فيلم “ثلاث وجوه للحب” ،1969 وفيلم “دعوة للحياة” ،1973 كما عمل مساعداً للمونتاج مع كمال أبو العلا .
التحق بعد تخرجه بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وقضى به الفترة العصيبة من 1971 إلى ،1975 التي شهدت حرب أكتوبر ،1973 وخلال هذه الفترة أخرج فيلماً قصيراً هو “جريدة الصباح” عام 1972 من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة .
اعتبرت تلك الفترة بالنسبة للطيب فترة تكوين ذهني وفكري، وتمكن خلالها من تكثيف مشاهداته للأفلام، وشارك في العديد من المناقشات الفكرية والفنية حول السينما .
توطدت علاقته بالمخرج العبقري شادي عبدالسلام، الذي عمل معه مساعداً في فيلم “جيوش الشمس” ،1973 الذي يتحدث عن حرب أكتوبر، واستفاد من تلك التجربة لأن طريقة وأسلوب شادي في الإخراج كانا يجذبانه .
عمل مساعداً للمخرج محمد بسيوني في فيلم “ابتسامة واحدة لا تكفي” في 1977 . ثم أخرج بعدها فيلماً قصيراً من إنتاج المركز التجريبي هو “المقايضة” عام ،1978 ليعمل بعد ذلك مساعداً للمخرج يوسف شاهين في فيلم “إسكندرية ليه” 1979 . ونهل من خبرة ووعي المخرج الكبير . بعدها عمل مساعداً للمخرج محمد شبل في فيلم “أنياب” عام 1981 .
لم يقتصر مصدر الطيب في فهم أساليب السينما على كبار المخرجين المصريين المعاصرين له في هذا الوقت، إذ عمل أيضاً في عدد من الأفلام الأجنبية التي صورت في مصر، وساعد المخرجين لويس جيلبرت في فيلم “الجاسوس الذي أحبني”، وجون جيلر من في فيلم “جريمة على النيل”، ومايكل بنويل في فيلم “الصحوة”، وفيليب ليلوك في فيلم “توت عنخ آمون”، وفرانكلين شافنر في فيلم “أبو الهول” . واستفاد الطيب من تلك التجارب، خاصة في ما يتعلق بالإعداد اليومي للعمل، والدقة المتناهية في دراسة أدق التفاصيل الثانوية .
وقدم عاطف الطيب في أقل من خمسة عشر عاماً، واحداً وعشرين فيلماً سينمائياً تتسم جميعها بالصدق والواقعية، وتعبر عن الإنسان البسيط، وتناقش همومه وقضاياه .
“الغيرة القاتلة” أول أفلامه الروائية في ،1982 لنور الشريف ونورا ويحيى الفخراني . وفي 1983 أخرج “سواق الأتوبيس” لنور الشريف وعماد حمدي، و”التخشيبة” عام 1984 لأحمد زكي ونبيلة عبيد، و”الزمار” لنور الشريف وبوسي وصلاح السعدني . وفي 1986 “الحب فوق هضبة الهرم” لأحمد زكي وآثار الحكيم، و”ملف في الآداب” لصلاح السعدني ومديحة كامل وفريد شوقي، و”البريء” لأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز . بعدها أخرج “أبناء وقتلة” لمحمود عبدالعزيز ونبيلة عبيد، و”البدروم” لممدوح عبدالعليم وليلى علوي و”ضربة معلم” لنور الشريف وليلى علوي وكمال الشناوي . وفي 1989 أخرج “الدنيا على جناح يمامة” لميرفت أمين ومحمود عبدالعزيز، و”كتيبة الإعدام” لنور الشريف ومعالي زايد، و”قلب الليل” لنور الشريف وهالة صدقي . وفي 1991 أخرج الطيب “الهروب” لأحمد زكي وهالة صدقي، و”ناجي العلي” لنور الشريف ومحمود الجندي في ،1992 و”ضد الحكومة” لأحمد زكي ولبلبة، و”دماء على الأسفلت” لنور الشريف وسلوى خطاب، وفي 1993 “إنذار بالطاعة” لمحمود حميدة وليلى علوي، و”كشف المستور” لنبيلة عبيد وفاروق الفيشاوي عام ،1994 و”ليلة ساخنة” لنور الشريف ولبلبة ،1996 ولم يتمكن الطيب من إتمام فيلمه الأخير “جبر الخواطر”، بسبب وفاته وتولى المونتير أحمد متولى استكمال الفيلم .
تعاون الطيب مع الكاتب والمؤلف وحيد حامد في خمسة أفلام، بينما تعاون مع المؤلف بشير الديك في أربعة أفلام، ومع الكاتب مصطفى محرم في ثلاثة أفلام ومع الكاتب أسامة أنور عكاشة في فيلمين .
كما قدم الفنان نور الشريف 9 أفلام للمخرج عاطف الطيب وأحمد زكي خمسة أفلام وكل من محمود عبدالعزيز ونبيلة عبيد وممدوح عبد العليم ثلاثة أفلام، بينما قدمت الفنانة هالة صدقي ولبلبة فيلمين .
بشهادة من عملوا معه، كان الطيب مخرجاً من طراز فريد، يتميز بالدقة والحرص الشديد على عمله، ويطمح لتكوين صورة جمالية ممتزجة بفكر عميق وهادف، كما كان حريصاً على اختيار من يضيفون إليه، ويضيف إليهم .
وأهم ما كان يميزه تنبؤاته للمستقبل وثورته على الواقع، وبدأ نقده للحياة الاجتماعية سنة 1983 في فيلم “سواق الأتوبيس” الذي صنع شهرته وأثار جدلاً كبيراً في أوساط الجمهور والنقاد، وتعاون فيه مع نور الشريف وميرفت أمين التي كانت تدخل في مرحلة النضج الفني . ومن هذا الفيلم قدم مثالاً للتفكك الأسري، وتكالب الناس على المادة، كما انتقد عصر الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ في عصر الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، من خلال جندي متقاعد يعمل سائقاً لحافلة نقل عام ويواجه صراعاً لاستعادة ورشة أبيه في ظل تخلي الجميع عنه عدا رفاق السلاح الذين يقفون بجانبه حتى ينجح في الحفاظ على إرثه العائلي .
كما انتقد مؤسسة القضاء وتخليها عن روح القانون في “التخشيبة”، وبحث عن الأمان والاستقرار في “الزمار”، وطالت أفلامه فساد الأجهزة الأمنية في سلسلة أفلام جريئة هي “البريء”، و”كشف المستور” و”ضد الحكومة”، وتعرضت هذه الأفلام لمشكلات مع الرقابة التي لم تسمح بعرضها إلا بعد أن شاهدتها جهات مسؤولة أعلى منها .
ظهر حسه الوطني من خلال فيلمه “ناجي العلي” الذي يعد محطة متفردة في رحلته السينمائية، لأن الاقتراب من فنان الكاريكاتير الفلسطيني الشهير ناجي العلي كان مغامرة تماثل الاقتراب من قنبلة موقوتة، لما يتمتع به العلي من جرأة وسخرية لاذعة .
وبسبب الفيلم، تعرض هو والشريف لحملة ضارية في مصر من مناصري السادات الذي هاجمه العلي مراراً بسبب “كامب ديفيد” .