2013/06/21

ظاهرة انتقالهم من أمام الكاميرا إلى خلفها تزداد انتشاراً الممثلون مخرجون مع سبق الإصرار
ظاهرة انتقالهم من أمام الكاميرا إلى خلفها تزداد انتشاراً الممثلون مخرجون مع سبق الإصرار


رفيف الخليل – دار الخليج

تشهد الساحة الفنية ظاهرة توجه الفنانين إلى عالم الإخراج سواء كانوا ممثلين أو كتّاب، ولأن إخراج عمل درامي أو سينمائي أو مسرحي هو في المرتبة الأولى عملية إبداعية بحتة لا يمكن لها الاكتمال من دون رؤية إخراجية مميزة ترتبط بمسؤولية وخبرة أو دراسة تخصصية لهذا المجال، كان لا بد من السؤال عن الأسباب التي تدفع الفنانين إلى خوض تجربة الإخراج، وما أهم الشروط والمهارات والمعايير التي تضمن تفوق الفنان المخرج والخروج بمنتج فني عالي القيمة، وفي هذا التحقيق آراء بمجموعة من الممثلين والمخرجين حول توجه البعض من أمام الكاميرا إلى خلفها مع سبق الإصرار .

يرتدي الممثل السوري سلوم حداد، ثوب الإخراج للمرة الأولى منذ دخوله الوسط الفني عام ،1979 حيث اختار أن تكون البداية مع الدراما الخليجية في مسلسل “القياضة” الذي صوره في إمارة الفجيرة الإماراتية وسيعرض في رمضان، ويعتبر حداد هذه الخطوة “ترجمة فعلية” لمشاعره الكامنة بعين مخرج وممثل ومشرف ومنتج فني اجتمعت بداخله وشكلت خبرات فنية امتدت لسنين طويلة زادته ثقة بأن “روح الدراما هي “ممثل” أولاً وأخيراً”، ويعتبر اتجاهه إلى الإخراج في هذا التوقيت نوعاً من التغيير وخوض تجارب فنية جديدة .

يشير حداد إلى أنه لا يمكن التغاضي عن جودة مكونات العمل الفني أولاً فهي تجذبه ليقدم رؤى فنية خارجة عن المألوف، ويقول: أرجو أن يكتب لهذه التجربة الإخراجية النجاح والتوفيق، فأنا عندما صممت أن أدخل الإخراج راهنت على أن تكون مشاعري هي من تتحدث أولاً عن العمل وتفاصيله، و كما أسلفت بالقول إن روح الدراما هي “ممثل”، لذلك يهمني جداً التعامل مع ممثلين موهوبين ومتمكنين يثرون العمل بوجود نص متمكن، ومواقع تصوير جاذبة، وتسهيلات إنتاجية داعمة، وفريق فني وتقني محترف من مصوري إضاءة ومهندسي ديكور ومدير التصوير ومسؤول الأزياء والماكياج وغيرهم . . وباتحاد جميع هذه المكونات والعناصر المؤلفة للعمل يكمل المخرج مهمته في كيفية توجيه العمل وإضفاء لمساته الخاصة التي تميزه عن غيره من المخرجين .

تنوع انتماء الدراما وواقعها الثقافي هو أمر عادي بالنسبة لحداد الذي لم يجد صعوبة في التعاطي مع الدراما الخليجية ويضيف: الدراما، هي دراما سواء خليجية أو سورية أو عراقية أو مصرية أو لبنانية، والفرق بينها هو الخصوصية فقط، لكن الجوهر واحد ومتشابه، فالحكاية في المجمل هي حكاية بكل المسلسلات والصراع صراع والحب حب، لذا لا فرق بينها جميعاً ولا أجد صعوبة في الإقدام على إخراج أنواع جديدة في الدراما .

الممثل الكويتي الشاب شهاب جوهر، يرى فكرة الإخراج بعيدة عنه بالرغم من قناعته بأن الممثل “قدرات”، وهو بحر من العطاءات يستطيع أن يكتب ويخرج على عكس المخرج المتخصص- الذي برأيه- لا يمكن أن ينجح في التمثيل، ويجد قوة النص وحالته الفنية هي التي تضع المخرج أمام رؤية معينة وأسلوب خاص للتعاطي مع الممثلين . ويضيف: كنا نقول سابقاً السينما صناعة، لكن في الوقت الراهن أصبحت الدراما صناعة قائمة بذاتها وسط هذا الزخم الهائل من الانفتاح الفضائي وتعدد القنوات والتنافس المحموم فيما بينها، وهي لا يمكن أن تكتمل بعيداً عن الرؤية الإخراجية الصحيحة التي تتماشى مع متطلبات الفن الجديد، فالمخرج عليه أن يمتلك أولاً مهارة اكتشاف الممثلين والتعامل معهم برؤية معينة تخدم العمل وتتناوله بأسلوب متقن ومؤثر، خاصة أن عين المخرج تتحرك بواسطة الكاميرات حسب الفعل وردود الفعل، وهذه المعادلة تتطلب مخرجاً ماهراً يمتلك خبرة مهمة تصيغ مفردات العمل ويصبح ذا جودة وقيمة فنية عالية .

الفارق كبير بين المخرج المسرحي والتلفزيوني كما يوضح الممثل الإماراتي سيف الغانم، الذي يرى أن مهمة الإخراج التلفزيوني تحتاج لمخرج متخصص يعمل فيها بناء على دراسة في الإخراج، تؤهله لمسك زمام عمل كامل مؤلف من حلقات عدة، ومشاهد متسلسلة طويلة، وما شابه من تفاصيل معقدة، و قد يصبح الممثل كما يقول مخرجاً ناجحاً في حال امتلك خبرات تراكمية في مسيرة فنية طويلة قدم من خلالها تجارب غنية في التمثيل، أوصلته إلى مرحلة الإخراج التي لا ينجح فيها الفنان الممثل إلا نادراً . ويضيف الغانم: بالنسبة للإخراج المسرحي لم أتجرأ على خوض هذه التجربة إلا بعد عشرين عاماً من العمل المسرحي والعطاء الفني في هذا المجال، كما أنني من الجيل الذي تتلمذ على أيدي أساتذة كبار أمثال المرحوم صقر رشود وإبراهيم جلال وقاسم محمد ويوسف السويسي وغيرهم من الأسماء الكبيرة، إضافة إلى إلمامي بفنيات العمل المسرحي كالصوت والإلقاء والإضاءة والماكياج وغيرها . . إلى أن كونت قاعدة تكاملية استطعت من خلالها إخراج مسرحيات للأطفال والكبار، ويبقى المسرح رقعة صغيرة محدودة يركز فيها المخرج ويتحكم بالحكاية من أولها إلى آخرها في وقت معين ينتهي بعدها العرض وتنتهي مهمة المخرج، أما الدراما فوضعها مختلف تماماً، تحتاج لتجهيزات طويلة ووقت أطول بحسب مدة الحلقات وعدد المشاهد التمثيلية .

“الفن موهبة قبل كل شيء” في رأي الإعلامية والمخرجة الإماراتية فاطمة محمد، الحائزة على جائزة الشيخة شمسة بنت سهيل في الأدب والفنون والإعلام، واتجاه الممثل للإخراج حسب قولها، يمكن أن يقابل بالنجاح إلى حد كبير، والشواهد على ذلك تجربة الفنان السوري حاتم علي الذي تفوق في الإخراج وأبدع أكثر من التمثيل، وساعده على ذلك دراسته للإخراج وتميز رؤيته الفنية في أغلب الأعمال وأسلوبه الفريد في استشفاف مكنونات الشخصية واكتشاف مزيد من القدرات التمثيلية لدى الممثل .

وتلفت فاطمة إلى أن مكانة الإخراج ترتقي يوماً بعد يوم: من ينجح في هذا المجال سواء في الإخراج السينمائي أو التلفزيوني وغيره، لا بد أن يكون صاحب فكرة وموهبة سواء كان ممثلاً أو كاتباً أو شخصاً عادياً، وأن يهتم بأدق تفاصيل العمل من حيث الاختيار الصحيح للفريق الفني والتقني، وقوة السيناريو والقصة وأبعادها التي تؤثر في خيال المخرج وتلهمه أسلوباً مميزاً، وبالنسبة لي خضت تجربة إخراجية واحدة في الدراما وتجارب عدة على مستوى الفيديو كليب، وحالياً أحضر تجربة فيلم سينمائي طويل مع مجموعة من الشباب الموهوبين الإماراتيين سأجمع فيه بين الصورة الإخراجية الدرامية والسينمائية معاً في شكل فني مميز وجديد .

“قوة مشاعري وانجذابي الكبير نحو عالم الإخراج وأنا لا أزال طالباً في معهد الفنون المسرحية بدمشق، بقي هاجسي الأول مع أنني اشتهرت كممثل هذا ما قاله ماهر صليبي المخرج والممثل السوري، الذي يعتبر الإخراج والتمثيل وجهان لعملة واحدة . ويوضح: مع بداياتي في التمثيل التلفزيوني والسينمائي والمسرحي لم يكن لدي متسع من الوقت للاتجاه إلى الإخراج الذي أعتبره مشروع حياتي وحلمي، ومع مرور الزمن جمعت بين التمثيل والإخراج المسرحي، وما ساعدني على ذلك أنني كنت أستاذاً في المعهد المسرحي لمدة 10 سنوات، حيث بعض الجوانب التي تميل إلى كفة الإخراج .

أما لماذا يتجه الممثل إلى الإخراج؟ فيجيب صليبي أن المسألة لها علاقة بشكل العملية الفنية التي تؤدي إلى انتقال الممثل إلى مخرج له شخصية وقالب فني مختلف تماماً عن التمثيل، فهو من هذا الموقع يصبح شخصاً لا علاقة له بالتمثيل، بل تتحول مهمته إلى ترجمة وجدانية لفكر وقناعات ورؤية وفق توجهاته الخاصة، واضعاً أحلامه وطموحاته الفنية في مساحة تعبيرية غير مقيدة . ويتابع: هناك نوعان من الفنانين الممثل الذي ينتقل إلى الإخراج كنوع من تحقيق نجاحات بديلة لم يحققها في التمثيل، والنوع الثاني هو نوع من أنواع التعبير والبوح الفكري والوجداني الذي يقود الممثل لخوض تجربة الإخراج ليجد فيها من الحرية والمساحات التعبيرية ما ترضي أفكاره وقناعاته، وأنا أنتمي إلى النوع الثاني، وأبرز في الأعمال التي أخرجها إنسانية المرء وروحه، من دون مبالغة وبكل شفافية، أحب المواضيع التي تسبر أغوار الإنسان وتدغدغ مشاعره، فيها الكثير من الحب والرومانسية، وأظن أننا بحاجة ماسة إلى هذه النوعية من الأعمال في واقعنا المليء بالصراعات والخلافات، وأحضر حالياً مشروع إخراج فيلم طويل بعنوان “بعد العاصفة قبل الفجر”.