2013/05/29
إسماعيل ديب – البعث
> عجيب هذا الذي رأيناه وسمعناه على بعض شاشات التلفزة لسهرة رأس السنة الميلادية التي ما كادت تعلن ولادتها حتى بدأ أولئك المنجمون يقرؤون خواتمها لا وفق معطيات فلكية أو رموز تنجيمية، إنما وفق منظورهم السيكولوجي وتبعاً لأجنداتهم السياسية، والأكثر غرابة أن يتكلم أحدهم كمن يقرأ تعليمات خطت لهم واستجابة لأمانيهم المكبوتة، وكأن مشيئة السماء باتت من منظورهم لعبة أمم وأمسى الكون أحجار شطرنج تتقاذفها أياديهم المعوّجة. وهذا ماذكرنا ببوش الابن الذي كان يربط سياسته بأنه يستجيب لما يوحى له من السماء، والسؤال الذي يفرض نفسه على المشاهد كيف كان ذلك المنجم يتحول من قارئ للطالع إلى خطيب سياسي بارع، ومن ثم إلى مرشد هادئ تسانده مقدمة البرنامج وفق إطراء مصطنع ومجاملة ملحوظة.... وما إن تذكر سورية حتى تتبلور أحكامه مسبقة الصنع ليقرأ ما تمليه عليه بنات خياله، وهنا يسأل صديقي(سلمان ابراهيم) شاكياً ونادباً حظه العاثر الذي أرغمه على متابعة تلك السهرة متسائلاً:
هل نحن في عصور الجاهلية ومتاهة البربرية حتى يمررون على عقولنا مايتناسب مع عقول الصبية الصغار.. كيف هذا، ونحن في الألفية الثالثة؟؟
إن المقارنة مابين أقوالهم وتوقعاتهم تظهر المفارقة والتباين، وتؤكد أنه ليس هناك علوم تقرأ ولا الروائز تشرح إنما استجابة لأجندات سياسية وتحقيقا لأمنيات شيطانية، وأن للسماء عالمها وللغيب خصوصيته، وأن اللّه عز وجلّ هو من يعلم الغيب المنيع، لكن أن نسبح في عالم المثل والجمال نحاكي الكواكب ونرافق النجوم، فهذا ضرب من ضروب الخيال.
إن ما يدخل في معركة الطوالع وحظوظ البشر تخطها أقدارهم، وترسمها خطاهم بسلوكهم، ونتائج أعمالهم، وإن دراسة مكنونات الشخصية هي أقرب لعلم النفس منه إلى عالم الأسطورة والبحث من خلال دائرة مبهمة، وإن كنا لاننكر علم الفلك كعلم تتنزه به النفوس عن المنافع الشخصية والميول الآيديولوجية ونستجدي منه عالم الصفاء والجمال، ويقول الباحث الفلكي (حسان صالح): علم الفلك علم يستند لأسس، وقواعد نتمكن من خلال دراسة"الهينيات" لرصد حركة الأفلاك، ومعرفة مايسمى بالهيلاجات والكداخاداه وفردارات، وجلها مصطلحات علمية يستند الفلكيون عليها.
فالفلك علم معقد ويصعب رؤية عالمٍ متمكنٍ من تفسير أغلب تلك الإشارات، ويتمثل في تأثير العالم العلوي على العالم السفلي، وكله مرتبط بالإرادة الإلهية، وعدد الأفلاك المستخدمة في أطر شهرية، وهي اثنا عشر فلكاً والبشرية تربو على ثمانية مليارات نسمة، فهل يمكن توزيعها على اثني عشر فلكاً فقط؟ فكما تؤكد الدراسات السيكيولوجية والفلكية إن الخطوط والطوالع والطباع، وكل السمات ما بين التوائم الحقيقية مختلفة وغير متطابقة، وهذا مايؤكد عجز العارفين والفلكيين من خوض غمار المجهول.
فسواء تجلت لهم بصور أو تجسدت كلمات فنحن في أي علم كان سواء في الفلك أو الطب أو التاريخ ليس المهم قراءة الحقائق، بل المهم أمانة القارئ على المبدأ القائل الأهم من عدالة الميزان أمانة الوازن.
غادرنا جلستنا على مفردات أطلقها صديقنا سلمان إبراهيم، لكنها كانت بلغة أجنبية لم أستطع أنا أن أفهم إلا القليل القليل منها، وعندما طلبت ترجمتها أجاب باختصار تحاكي قول الشاعر:
شكوت إلى وكيع سوء حظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن الحظ نور
ونور الله لايهدى لعاصي