2012/07/04
عبد الرحمن الراشد- الشرق الأوسط من حق بعض المتشددين المؤدلجين أن يغضبوا من المسلسل الرمضاني السعودي «طاش ما طاش» لأنه الوحيد الذي يصل مباشرة إلى ملايين المشاهدين، ولا يضاهيه في النفوذ والشعبية أي عمل صحافي أو منبري أو حتى تلفزيوني آخر. ومرد غضبهم أنه لا يتورع عن نقد بعض ممارساتهم بلغة سهلة وهازلة. ولأنهم يعتقدون أن من حقهم أن يصبوا جام غضبهم على من يشاءون طوال العام، ويستخدمون الإعلام والإنترنت والمنابر لتجريح الآخرين والتحريض ضدهم، إلا أنهم لا يحتملون النقد عندما يصبح موجها ضد تصرفاتهم. وهذا البعض يعيش «أزمة طاش سنوية»، وعوضا عن مناقشة ما يرد في «طاش» فإنهم ينحرفون نحو تكفيره وتحقيره، وتحقير عموم المشاهدين. سنوات من الحرب المضادة المتخصصة، تحديدا ضد هذا العمل الكوميدي الاجتماعي الهادف، لم تفلح في تهدئة لغته الناقدة، وأفكاره، وعجزت عن إضعاف شعبيته، حيث ظل على رأس الأطباق الرمضانية الأعلى شعبية عاما بعد عام، حتى بقليل من الدعاية، يشاهده تقريبا الجميع في السعودية على سفرة الإفطار. والمشكلة التي خلقها «طاش» للفريق الغاضب أنه صار ملهما للبرامج الأخرى التي تعلمت أن الكوميديا يمكن أن تكون ذات رسالة وفي الوقت نفسه تستطيع أن تحقق شعبية هائلة. والدليل أن ما يحققه «طاش» من أرقام مشاهدة هائلة تفوق كل ما يظهر في عشرات المحطات الأخرى والبرامج المضادة طوال العام. إنها ظاهرة مدهشة حقا، ليس فقط في نجاح القائمين عليه بل الأهم في الإقبال الجماهيري الضخم الذي اتفقت عليه كل الدراسات الميدانية. لكن مع الإيمان بضخامة شعبية عمل تلفزيوني مثل «طاش»، هل ينجح العمل التلفزيوني فعلا في تغيير العادات الراسخة لسنين طويلة وذلك خلال ثلاثين يوما في السنة؟ لا أظن الأمر بهذه السرعة والسهولة، لكن أهم ما يفعله الكوميديان المميزان ناصر القصبي وعبد الله السدحان هو أنهما يثيران النقاش ويحفزان المجتمع على التفكير. وهذا في حد ذاته تقدم مهم في مجتمع تزحف الأجيال الشابة الجديدة على الساحة ويغرب تأثير الأجيال القديمة التي ترفض أن تصدق أن العالم يتغير من حولها. فصراع الأجيال من سنن التطور، وفي داخل كل جيل، بما فيه جيل صغار الشباب، أفكارهم وجدلهم حيث يعبر كل فريق عن رأيه من خلال شبكات اجتماعية واسعة على الإنترنت، لا يدخلها ولا يعرف عنها الكبار إلا القليل. والذي قد لا يفهمه الغاضبون من محاولة زحزحة الأوضاع القديمة أن برنامجا مثل «طاش» أو غيره من الأعمال الإبداعية الفنية لا يخترع الأفكار الجديدة للمجتمع، ولا يستوردها من مجاهل القارات البعيدة، بل عمليا يستعيرها من أحياء المجتمع المحلي وزواريبه. وهذا ما يجعله شعبيا ومقبولا ومثيرا للنقاش، وكل محاولة لمنعه أو تخويف الناس منه لم تنجح لأن المسلسل مرآة تعكس الوضع القائم بجديده وجدله. وهذا ما يجعل بعض المتشددين يريدون إسكاته، وعندما فشلوا يحاولون الآن إقناع ملايين الناس بمقاطعته. و«طاش» دليل على حيوية المجتمع السعودي وأهمية دور المثقفين فيه.