2013/05/29
ابراهيم حاج عبدي – الحياة
على رغم صواب كل تلك التنظيرات التي ترى في التلفزيون وسيطاً اعلامياً جماهيرياً خفيفاً، بعيداً من النخبوية، قريباً من حرارة الواقع ونبض الشارع... فإن ذلك لا يبرر اصرار الفضائيات على استضافة اسماء معينة، تتكرر على نحو ممل، للحديث في كل القضايا والمسائل التي تطرح في هذا البرنامج أو ذاك...
أسماء بعينها، ولفرط حضورها اليومي، اصبحت كأنها تعمل براتب شهري او سنوي في هذه المحطة أو تلك، حتى اختلط الأمر على المشاهد بين مذيعي ومقدمي البرامج الدائمي الظهور، بحكم وظيفتهم، وبين هؤلاء الضيوف الذين لا يقل حضورهم عن حضور أولئك العاملين في المحطة. وما يجمع بين غالبية هؤلاء الضيوف الذين يقيمون في استوديوات الفضائيات ليلاً ونهاراً، هو السطحية في التحليل، والسذاجة في الطرح على رغم ان ألقابهم وصفاتهم الأكاديمية والعلمية، تملأ النصف الاسفل من الشاشة، ناهيك عن أنهم بارعون في الصراخ والصخب... بل ان عدداً غير قليل منهم يلجأ الى الركل والضرب والصفع إذا أخفق في ايصال «رأيه الاستثنائي النابه» بالحسنى!
تلك صور تتكرر على الفضائيات العربية، فالشخصيات نفسها تجتر الكلام ذاته، تغير موقعها من شاشة الى أخرى لكن الخطاب يبقى هو ذاته. خطاب فج وسخيف يدفع المشاهد الى التساؤل عن البديل، أي عن تلك القامات الفكرية اللامعة المعروفة بحصافتها، وبمساهماتها المهمة في حقول الفكر والفن والثقافة والسياسة. نستطيع، بالطبع، أن نعدد عشرات الاسماء التي قضت عمرها في البحث والدراسة والاستقصاء من المغرب العربي الى مصر والسودان مروراً بلبنان وسورية والعراق وصولاً الى الخليج العربي. لكن المفارقة ان هؤلاء الذين يستحقون، بجدارة، لقب مفكر أو باحث أو ناقد... لا يظهرون على الشاشات، كأن مقارباتهم العلمية الدقيقة لا تناسب فوضى الشاشات، ولا أحد يعلم ما إذا كان سبب غياب هؤلاء يعود الى امتناعهم وترفعهم، أم ان اصحاب المحطات يستنكفون عن اختيارهم ضيوفاً لأسباب غير معلومة.
الفضاء العربي مفتوح أمام شخصيات معينة، هؤلاء لا يتمتعون بأية موهبة، ولا يتقنون سوى المهاترة، كأنهم «ضيوف يثيرون الغبار»، وفق عنوان أحد دواوين الشاعر السوري لقمان ديركي، وإذا كان معنى العنوان هو في قلب الشاعر، فإن اختيارنا له، هنا، جاء من باب ان هؤلاء الضيوف يثيرون غباراً، بالمعنى الحقيقي للكلمة، يعمي ابصار المشاهدين عن خفايا الموضوع المطروح في هذا البرنامج أو ذاك... وترافق هذا الغبار رعود تصمّ الآذان، لينتهي المشاهد، والحال كذلك، الى خلطة هجينة غير مفهومة، وهو يستحضر في ذهنه اسماء لكتاب ومفكرين وباحثين ومحللين مرموقين رافقهم على صفحات الكتب، لكنه لن يحظى برؤيتهم على الشاشة ذات يوم!