2012/07/04
ماهر منصور - السفير
أحد أبرز نجوم الفضائيات العربية هذه الأيام هو «شاهد العيان». وهو مراسل صحافي، غير معلن، يستغل فضول نشرات الأخبار، وغياب مراسليها على الأرض ليمارس «مهنته» بنقل ما يشاهده. وهو يفعل ذلك بوصفه جزءاً من الأحداث لا ناقلاً لها.
ومع غياب اسم «شاهد العيان»، ومع غياب الصورة، وفي كثير من الأحـيان غياب الـصوت، تصير المعلومة التـي ترد على لسانه غير موثوقة، ما يفرض على مراسلـي القـناة التي تبـثها التحقق منها على الأرض، أو على الأقــل الإشارة إلى أنه لم يتسن التأكد منها في حال غياب المراسلين. إذ تبقى الحقيقة كما ترد على لسان شاهد العيان، هي حقيقته وحده، حقيقة تحتمل الصواب والخطأ، طالما مصدرها شخص واحد، لم يتسن لنا كمشاهدين التأكد من حياديته وموضوعيته، بل صدقه. وإزاء هذه الحقائق، يبرز السؤال: هل يصلح شاهد العيان لأن يكون مصدر معلومة؟
ربما تجد الفضائيات في مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، ما يبرر تبنيها لما يصلها من أخبار عن طريـق «شاهد العـيان» اذا كان لا يسـمح لمراسليـها بالعمل، وتحتاج ساعات البــث المفتوحة ونشرات الأخبار المتعاقبة الى ما يملأها ويشفي غليل المشاهد المتسمر أمام الشاشة بحثاً عن المعلومة. وليس إلا شاهد العيان من يفي بالغرض.
لكن ما هي المعايير المهنية في اعتماد ما ينقله «شاهد العيان»، وما الذي يضمن، أصلاً، أن شهادته تصل كما هي كاملة دون حذف أو تزييف أو تحريف؟ وما دام مطلوباً من المشاهد أن يصدق ما يرد على لسان «شاهد العيان»، ألا يبدو من حقه أيضاًَ ألا يسقط من حساباته فرضية أن يكون «شاهد العيان» هذا هو من نسج خيال محرري هذه الفضائية أو تلك.. ويجلس على بعد أمتار فقط من غرفة أخبارها؟
لماذا لا تخرج علينا تلك الفضائيات «بشاهد عيان» بالاتجاه المعاكس، أم أن هذا الأخير يمثله الإعلام الرسمي، وبالتالي لا حق له بأن يدلي بشهادة عيان تخصه وتمثله. وإن كان الإعلام الرسمي يعبر في النهاية عن سياسة حكومته، فعمن يعبر عشرات شهود العيان الذين يطلون علينا يومياً عبر الفضائيات ما داموا جميعاً بلون واحد؟ وهل يمكن أن نعتبر أن شهود العيان يمثلون الرأي الآخر في مقابل الرأي الرسمي، ألا يفترض احترام (الرأي والرأي الآخر) والحيادية إزاءهما، بمعنى وضعهما في خانة التشكيك والتصديق ذاتها؟!
القنوات الإخبارية اليوم تناور، تلتف، وتهاجم ... لكنها مهما فعلت لا يمكن أن تبدو متعففة من هدف معين يتناسب مع سياستها وسياسة من يقف خلفها. لكنها ليست بالضرورة هي الحقيقة كما شاء الله لها أن تكون.. والسذج فقط من يعتقدون خلاف ذلك.
وإن كنا اليوم لا نستطيع أن نجزم بصدق أو كذب «شاهد العيان» أو المصادر الرسمية، على حد سواء، فإن ما نستطيع الجزم به هو أنه ما من مسافة موضوعية تأخذها الفضائيات من الاثنين. وإنما هي مسافة انحياز، لا لأحد طرفي الصراع، وإنما لمصالحها هي، وتلبسه في كل مرة ثوب «الحياد»؟