2012/07/04
أحمد مغربي-دار الحياة جمانة، لينا، جلنار، نوفر ولونا. أسماء خمس مذيعات تلفزيون، تقدّمن باستقالتهن إحتجاجاً على الإمعان في استلاب أجسادهن وصورتها من قِبَل المؤسسة التي يعملن فيها. ترسم استقالاتهن حدوداً جديدة لصراع إناث العرب من أجل حقّهن بامتلاك أجسادهن، على قدم المُساواة مع ما يعتقد ذكور العرب أنهم يمتكلوه بطريقة بديهية. ومن الملفت أنهن يخضن تلك المعركة على صورة الجسد، وهي من الحدود الفائقة الأهمية لحرية المرأة في العصر الراهن الذي يتميّز بصعود هائل للثقافة البصرية. والأرجح أن صورة المرأة كانت دوماً، موضع صراع من أجل الحرية، في الأزمنة المعاصرة. ومن الممكن العثور على موازٍ للتسلط على الزميلات، عبر كفّ أيديهن عن صورة أجسادهن والتصرف بها كمُلكية للمؤسسة، في السينما العربية. فخلال السنوات الأخيرة، خاضت السينما (المصرية خصوصاً) في تنازع ضخم بشأن صورة الأنثى على الشاشة. ولم تتورع عقلية ذكورية متطرفة، عن مصادرة صورة ممثلة السينما، باستخدام شعارات ضخمة مثل صورة الوطن، وأخلاق الأمة والعادات والقيم والتقاليد وغيرها المفردات الخشبية التي لا تملّ بعض الألسن من علكها. للمقارنة، يبقى الجسد الذكوري خارج المقارنة دوماً، متمتعاً بحصن يضعه خارج النقاش. وإضافة الى ذلك، فإن صورة الأمة العربية لا تتشوه بكل ما يفعله الذكور الحاكمون في المؤسسات والشركات والدول. ولا يضرّ بأخلاقيتها ما يفعله الذكور بداية من السياسة العبثية والثقافة الخاوية وآليات الديمقراطية المُعطلة والمفلسة. لا تضار الأمه إلا بصورة جسد الأنثى. ذلك كلام شرع في الانحسار في السينما. وفجأة، أطلّ كلام لا يقل عنه في التلفزيون. هذه المرّة ليست الأمة ولا الوطن هي من يضار، بل المؤسسة. ولا يضر بها أن يحمل بيانها كلمات تقول بأنها تمتلك كلياً صورة مذيعاتها، وأن عليهن الإذعان، فلا يحق لهن إلا أن يسلّمن بأن تبقى إرادتهن خارج أجسادهن وصورتها. والمفارقة أن المؤسسة التلفزيونية التي نهضت بأمر هذا الاستلاب البصري، هي من أشد المهتمين بمسألة مثل الحجاب والنقاب، وحق المرأة في إختيار إرتدائه في الغرب. لو ان مؤسسة تلفزيونية غربية لجأت الى إجراء مماثل بحق مذيعات مسلمات مقيمات في أوروبا، كيف يكون ردة فعل عليها؟ ولا يكتمل صورة استلاب جسد الأنثى في هذا الحدث، إلا بقراءة الكلمات التي تحدّثت عن التحرّش جنسياً. ونُفيت التهمة بقوة تثير التساؤل. هل غاب عن ذهن المُبرّرين أن نفي تهمة أجمعت خمس مذيعات عليها، يعني ضرب مصداقيتهن والاستخفاف بأقوالهن وعقولهن؟ أهُن قاصرات عن تمييز الكلام الذي يحمل ملاحظة إدارية عن حشمة ملابسهن، من الكلام الذي يحمل معنى التحرّش جنسياً بهن بالألفاظ؟ وأُكمِل النفي بطلب توجيه ملاحظات عن "الحشمة" مكتوبة، ما يطرح سؤالاً آخر. إن كان الكلام خلواً من التحرّش، فلِم اللجوء الى الكتابة الآن، وبعد ان تفجرت الأزمة؟ وجرت مقارنة ظهور المذيعات، مع ما يبث على أقنية مثل "بي بي سي" و"سي ان ان"، فهل تساوت الأمور قانونياً في ما يتصل بالمرأة وظهورها والتحرش لفظياً بها (ثمة وجوه اخرى للمقارنة بالنسبة لحقوق العاملين في التلفزة)، الى حدّ يسوّغ المقارنة؟ جمانة، لينا، جلنار، نوفر ولونا: المرأة العربية (مرة اخرى واخرى) في صراع حرية ما زالت أمديته شاسعة.