2012/07/04
أوس داوود يعقوب – تشرين
في النظر إلى ما أنتج من أفلام سورية بقطاعيها (العام والخاص) منذ منتصف الستينيات وحتى يومنا هذا، فإنه ـ من حيث الكم ـ يبدو العدد متواضعاً، أما على مستوى الكيف والجودة فإن الكثير من هذه الأفلام
(وتحديداً أفلام القطاع العام) تميّزت بمستوى فني راقٍ، ومضامين لامست الكثير من همومنا وقضايانا الإنسانية والوطنية، ومن أبرزها قضية المرأة، التي انتصر لها (القطاع العام)، منذ إحداث المؤسسة العامة للسينما، فتغيرت صورتها تماماً لتصبح (المرأة/الأم) والأخت والزوجة والحبيبة، فيما كانت صورتها في سينما (القطاع الخاص) مبتذلة، تزيينية، تنحصر أدوارها في مشاهد العشق والغرام والرقص. وقبل الخوض في رصد ما أنتجته حركة سينما (القطاع العام) وسينما (القطاع الخاص) من أفلام تناولت مكانة (المرأة- الأم) ودورها في مجتمعنا، وكيفية معالجة حضورها في هذه الأفلام، قبل هذا، أشير إلى التوافق مع ما صرح به المخرج محمد ملص بأنه ليست هناك (سينما سورية) بل هناك (أفلام سورية).
وعليه فمن الصعب عد صورة المرأة المقدمة في الأفلام وفي أزمان مختلفة خاضعة لتصور واحد أو لعقلية واحدة أو مرجعية أخلاقية واحدة فهذه الأفلام خضعت عبر المراحل المختلفة للعقلية المنتمية للمنتج وللرقابة ما يجعلنا نقول: إنها لم تكن تعبيراً عن التصور الذي يعتقده المخرج ذاته.
ولقد ظهرت (المرأة- الأم) في أفلام (القطاع العام) بصورة فيها الكثير من الشفافية والصدق، وهي تلامس إلى درجة مقبولة دورها في حياتنا اليومية، فكانت صورتها تعكس طيبة الأم وتضحياتها في العديد من الأفلام، في حين لم تكن صورة الأم في أغلب أفلام (القطاع الخاص) كما الصورة الحقيقية التي تلعبها الأم في الواقع، ويعود هذا التباين بين الواقع والأفلام الخاصة إلى تغليب الأهداف التجارية على موضوعات الأفلام، فقد كان المشتغلون في القطاع الخاص يهتمون بالصورة الرخيصة التي تظهر مفاتن النساء أكثر من الاهتمام بالمضامين، ولم يكن في ذهن صناع هذا النوع من الأفلام إظهار المرأة/الأم كما هي في الواقع، وإنما كانت عنصراً مكملاً، لذلك جاء حضور الأم في أفلام (القطاع الخاص) رخيصاً ومبتذلاً.
صور واقعية في حالات متنوعة
في دراسة أنجزتها الناقدة السينمائية ديانا جبور بعنوان (عنها في سينماهم)، صدرت في كتاب عن دار المسبار ـ دمشق 2002م، نقف على محاولة نقدية رصينة للبحث في طبيعة الصورة والحضور الذي شكلته المرأة في السينما السورية (القطاع العام) سواء منها الأفلام الروائية أو التسجيلية.
ولقد أعطت أفلام المؤسسة العامة للسينما الأم دورها الفاعل أو على الأقل صورتها الواقعية في حالاتها المتنوعة تنوع الحياة ذاتها، وعمل العديد من المخرجين على تقديم نماذج حقيقية لصورة (المرأة/الأم)، وبعضها عمل على الإعلاء من قيمة الأم وجعلها رمزاً كما فعل المخرج الراحل محمد شاهين في فيلمه (آه يا بحر)، فرغم أن الأم لم تكن في الفيلم محور الأحداث أو صانعتها، وإنما اختصر دورها إلى شاهدة تدرك بحدسها النقي جوهر الأشياء، فإن أحداً لا يصغي إليها أو يطلب مشورتها أو حتى يستمع إليها، رغم صواب قراراتها، وكأن الأم الأنموذجية لا بد من أن تكون سلبية غير مسموعة الرأي، وسوف تكون أنوثتها وبالاً عليها. وفي فيلم (قتل عن طريق التسلسل) للراحل محمد شاهين أيضاً، وسيناريو وحوار حسن سامي يوسف، قدمت السيدة منى واصف دور الأم،
التي تسعى للسفر إلى لبنان تاركة ابنتها الطالبة في سورية، فتضطر الأم مجبرة للاستسلام للرجال تجار الجنس، بل تقتنع بالسفر إلى فرنسا وإقامة تجارة هناك، وترسل الأموال لابنتها الطالبة، والتي أصبحت مهندسة وتعمل مع شركاء أمها في شركتهم التجارية، وعندما تعلم البنت بمصدر الأموال، وأنها ثمن لكرامة أمها، تحذر أمها وتطلب منها ترك المال والرجال، فيخطط لقتل الأم وفصل الفتاة المهندسة من الشركة... وتنتهي أيضاً باندحار وهزيمة المرأة والبنت معاً. والأم في فيلم (أحلام المدينة) لمحمد ملص هي حالة أنموذجية لضياع المرأة في منتصف القرن الماضي، والتي تحاول أن تنجو من استلابها الظالم فتقع تحت وطأة ظلم أشد، وبدورها ستكون ظالمة كالآخرين الغرباء، إن لم تكن أشدهم قسوة، وتظل مرجعية (المرأة/الأم) في هذا الفيلم هي الواقع الذي يتسيد الرجل السلطة فيه، اجتماعية كانت أم سياسية، وتالياً ضمن المفهوم أن تبدو صورتها في المعادل الفني للواقع مستلبة ومختزلة. ويرسم عبد اللطيف عبد الحميد صورة الأم الحنون في (ليالي ابن آوى) تلك الأم الريفية التي تصطدم بتغيرات الحياة وتقلباتها وهي ترى أولادها يكبرون ويذهبون في اتجاهات مختلفة، أما في فيلمه (صعود المطر)، فتختلف صورة الأم، لكن يبقى حضورها ملحقاً بحضور الرجل ونتيجة له.
وفي فيلم (شيء ما يحترق) لغسان شميط فإن الأم أسيرة أحد أنموذجين مسبقين، فإما هي متفانية في العطاء وفي حبها السامي وفي الدفاع عن عائلتها، وإما أنها أصل البلاء والشرور.
أفلام القطاع الخاص.. صور مشوهة!!
أما في أفلام القطاع الخاص فقد كان حضور (المرأة/الأم) من خلال شخصيات مشوهة أو كاريكاتورية، لأن السينما الخاصة التجارية، ومنذ بداياتها لم تخرج عن مثيلتها المصرية، بل عدتها قدوة، حاولت تقليدها ومحاكاتها، وقد استمرت المرأة موضوعاً للصراع العاطفي بين قطبين: أحدهما خيّر، والآخر شرير.
وقد ظلت صورة (المرأة/الأم) أو سيدة الأعمال أو الخادمة في الأفلام السينمائية السورية التجارية عنصراً مكملاً للحبكة الرئيسة، من دون فاعلية، ومعظم الأفلام تغلب عليها مسحة ازدراء المرأة وتحجيمها بصورة نمطية مبسترة، مثال ذلك الأفلام الآتية: (زواج على الطريقة المحلية)، و(مقلب من المكسيك)، و(خياط للسيدات)، و(سائقة التاكسي)، و(أمطار صيفية)، و(بنات آخر زمان)، و(قطط شارع الحمراء)، و(زوجتي من الهيبز)، و(نساء للشتاء)، وغيرها من الأفلام التجارية الهابطة.
إن خلاصة ما سبق تبين أن سينما (القطاع العام) سعت إلى تقديم الصورة الحقيقية عن (المرأة/الأم) عبر صورٍ جمالية، ذات مضامين فكرية وثقافية تتوج واقعها وطرق التعاطي معها، وقد عالج كل مخرج هذا الحضور من منظاره، وكانت لكل منهم وجهة نظر مختلفة، لكنها كانت تصب في اتجاه واحد، غرضه تسليط الأضواء على تضحيات الأم وعظمة مكانتها، وهذا على خلاف الصورة المشوهة التي قدمتها أفلام القطاع الخاص.
وأخيراً يجب القول: إن صورة (المرأة/الأم) في الأفلام الروائية أو التسجيلية القصيرة لم تختلف عنها في الأفلام الطويلة التي أنتجها (القطاع العام).