2013/05/29
سجيع قرقماز- الثورة
بدأ سامر محمد إسماعيل عرضه الأول غير متأخر إذا دققنا فيما قدمه فكريا ً فنيا ً ، وفي ظرف ٍ وبيئة ٍ لم تساعده كثيراً في إبراز ما لدي .
مع ذلك جاء عمله صرخة ً في وجه الظلم والفساد من الداخل ، لكن ليستمر ويكشف عن مجتمع ٍ كامل ٍ .
إذا ً ، انتهى عرض مسرحية (ليلي داخلي ) لسامر إسماعيل في اللاذقية ، لكن أثرها ما يزال لدى من تابعوها . وخاصة ً الأثر الذي تركه سامر معداً ومخرجا ً ، بعد أن جلس طويلا ً كممثل ٍ ينفذ تعليمات مخرج ٍ قبله ، ويراقب مها الصالح وهي تتوجه إليه بكافة الأسلحة النسائية الفتاكة ، لكن هل يستحق ؟
أي رجل ٍ يوضع في هذا الموقف يستحق . كيف لا وهو الذي لم يترك فرصة ً لخيانة زوجته إلا استغلها ، ولم يترك مناسبة ً لإهانتها إلا وقام بها ، ورغم ما يعتقده من ثقافة ٍ وفهم ٍ ودور ٍ اجتماعي ٍ مهم ٍ لكنها كلها ذابت كالثلج في يوم ٍ صيفي ٍ أمام اللحظة التي لا بد ستأتي ، والتي أتت في يوم ٍ كانت زوجته تعول كثيرا ً عليه ، ستحتفل بعيد زواجهما العاشر ، ويمكن أن تنسى إساءاته ، وتغفر تصرفاته ، لكنه - حتى في هذا اليوم – أثب أنه نذل ٌ حقيقي ٌ تمادى في إهماله ، واستغبائه لشريكة حياته ، معتقدا ً أنها لا تدري بما يقوم به أو بتصرفاته التي وصلت حد ا ً كبيرا ً .
الجديد في عمل سامر معدا ً ومخرجا ً ، هو رؤيته البعيدة للواقع السياسي الاقتصادي الحالي ، ونمو المجتمع الاستهلاكي - رغم كل المشاكل الحالية – نحو الترف والسطحية متنازلا ً عن الأخلاق إن وجدت ، متباهيا ً بالمال والظهور والقشور ، معتقدا ً أنه (سلطان زمانه) .
من هنا كان لابد من وقفة ٍ مع الذات من قبل الزوجة (روبين عيسى ) في محاولة ً لكشف ما يدور وإيصاله إلى زوجها ( بسام البدر ) الذي يبدو في البداية غير مكترث ٍ ، يدير لها ظهره مثبتا ً كل انتباهه إلى (اللابتوب ) الخاص به .
ويبدأ المنولوج - في هذا العمل المونودرامي – من الطراز الأول بحوارية ( مونولوج ) طويلة ٍ تبدأها الزوجة مستعرضة ً مراحل حياتها مع زوج ٍ غير مخلص ٍ لها ، وغير مهتم ٍ لا بها ولا حتى بابنه الوحيد المريض ، وهذا برأيي من أهم اللقطات – لأن زواجا ً كهذا لابد أن تكون ثمرته إنتاجا ً مريضا ً – وهو النموذج الواضح للمجتمع الاستهلاكي الحالي الذي فرغ من أي قيمة ٍ فكرية ٍ أو ثقافية ٍ أو اجتماعية .
ولأننا نتحدث عن زوج ٍ وزوجة ، فهذا مثال ٌ عن نواة ٍ ونموذج ٍ لمجتمع بدا بالتآكل بسبب ٍ نموه السرطاني في أكثر من اتجاه ، هذا النمو الذي أفقده القيم الجمالية والأخلاقية . ورغم أنك تظن أن هذا النموذج هو الممثل الشرعي لمجتمعك في غلوائه وطغيانه إلا أنك لا بد تتعاطف مع الزوجة (المظلومة ) رغم أنها سبب ٌ في ذلك ، لرضوخها وقبولها :
أي ذبيح ٍ يساق غصبا ً عنه إلى الذبح .
(روبين عيسى ) الزوجة ، نموذج المرأة الذليلة المهانة ، لم تعد كذلك منذ اللحظة الدرامية الأولى ، فقد خلعت عنها كل زائف ٍ وكل اصطناعي ٍ ، وبدأت رحلة الكشف الداخلي الحقيقي لعلاقة ٍ زوجية ٍ أتمت عشر سنين بثمرة ٍ مريضة ٍ ، وعلاقة ِ مشوهة ٍ واحتمالات ٍ متشعبة ٍ لكنها كلها أسوأ من السيناريو الحالي ، من هنا كان لا بد من وقفة ٍ تنهي فيها هذه السيرة ، وتنهي هذه العلاقة الخاطئة ، مهما كان الثمن .
مسرحية (ليلي داخلي)هي معالجة درامية ولعب ٌ على مشهد ٍ يفترض أنه ( ل.د ) بلغة أهل السيناريو ، مما يدل على أن اللقطة الحميمية الداخلية المغلفة بالليل يفترض ألا تظهر للعيان ، لكنها هنا كانت عملية فضح ٍ لا بد منها . وبالتالي قدم سامر مونودراما حقيقية تألفت من مشهدٍ واحد ٍ يعتبر عملاً مسرحياً متكاملاً ، بسطه لنا بسلاسة ٍ صحفيٌ وشاعر ٌ تمكن من التقاط أدق التفاصيل ، ورغم بساطته جعل المتفرجين من الدقيقة الأولى وحتى اللحظة الأخيرة يحبسون أنفاسهم بانتظار نتيجة ٍ عرفوها منذ البداية لكنهم ما استطاعوا استيعابها إلا في آخر لحظة ، وآخر صرخة ( يا نجمة الصبح ) .
ديكور زهير العربي الخبير بألوان وزوايا المسرح أضاف للعمل لمسة ً تكميلية ً لا بد منها ، تعبر عن حالة البرودة والضياع التي تلف العلاقة الإنسانية بين الزوجين . وهذا ما ساهمت فيه إضاءة نصر سفر .
أما المادة الفيلمية لطارق مصطفى ، فقد ساهمت في ربط الحال الداخلية مع الحالة العامة والأوجاع التي يعيشها المواطن والوطن . من خلال صور الأبنية المدمرة في سورية وصورة النفق الطويل والنوافذ العديدة على جانبيه والتي يدخل منها الضوء، هل هي النفق الطويل الذي أُدخلت فيه سورية ، ولقطات ٌ أخرى لفنانين وإعلاميين، وأناس عاديين رأيناهم في حالة ٍ كانت فيها سورية في ربيعها الحقيقي، وليس حالة( الربيع العربي) الذي لم يسلم منها حتى تمثال أبو العلاء المعري .
ليلي داخلي ، صرخة ً بصوت ٍ مرتفع ٍ في وجه الظلم والقهر، ختمها بصوت سناء موسى صارخا ً في وجه العتمة : ( يا نجمة الصبح ).