2012/07/04
نبيل مسعد – دار الحياة
لا شك في أن شون بن (52 سنة) هو من أبرز نجوم السينما الهوليوودية اليوم لما تتميز به مسيرته الفنية من جودة في نوعية الأفلام التي يظهر فيها أو التي يخرجها بنفسه.
وقد ظهر بن حديثاً في فيلمين فاز أحدهما وهو «شجرة الحياة» للسينمائي الأميركي اللبناني الجذور تيرنس ماليك، بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي 2011. أما الثاني فهو «هذا هو المكان» من إخراج الإيطالي باولو سورنتينو.
وفي مناسبة حضور بن إلى العاصمة الفرنسية كي تكرمه وزارة الثقافة على يد الوزير فريدريك ميتران عن مجمل أعماله، خصوصاً عن الجانب الإنساني في الأفلام التي يخرجها بنفسه، إلتقته «الحياة» وحاورته.
> ما رد فعلك على التكريم الفرنسي لك؟
- هذه ليست المرة الأولى التي أحضر فيها إلى فرنسا تلبية لطلب وزارة الثقافة أو لجنة توزيع جائزة «سيزار» مثلاً، فأنا أطير من الفرح في كل واحدة من هذه المناسبات لأنني أعشق أوروبا عموماً وفرنسا في شكل خاص، وبالتالي أجد أن الفرنسيين يحبونني مثلما أحبهم، وما أحلى المشاعر المتبادلة بين طرفين، أليس كذلك؟
أعتقد بأن الأفلام التي أُخرجها والقضايا الإنسانية التي أدافع عنها من خلال هذه الأعمال تمس المتفرج الأوروبي ربما أكثر من الأميركي، وبالتالي أتمتع هنا بشعبية من نوع خاص أقدرها إلى أبعد حد.
> أنت تظهر في لقطات قليلة في فيلم «شجرة الحياة» ومع ذلك فإن من يشاهده يتذكرك فيه أسوة ببراد بيت الذي يحضر تقريباً في كل مشاهد الفيلم. كيف تفسر الأمر؟
- أفسره في منتهى البساطة بكون دوري في الفيلم يتميز بأهمية بالغة على رغم قلة المشاهد التي تظهر فيها الشخصية التي أؤديها، ثم بكوني قد مثلت الدور بأسلوب يشد انتباه المتفرج ويهز كيانه. فأنا الأخ الراحل الذي يظل يحتل مكانة كبيرة في قلوب أفراد عائلته وعقولهم، وبالتالي فالجمهور يشعر تجاهي بحنان ربما يفوق ذلك الذي يوليه لسائر أبطال الحبكة، لا سيما شخصية براد بيت، الأب الطاغي على أولاده.
> قيل إنك غضبت ضد المخرج تيرنس ماليك بسبب حكاية اللقطات القليلة هذه؟
- هذه عبارة عن إشاعات ترددها الصحافة الفضائحية التي أكرهها والمجردة كلياً من الصحة. أنا وافقت على المشاركة في الفيلم عن دراية تامة بدوري فيه وبعدد المشاهد التي تظهر فيها الشخصية التي طلب مني ماليك تمثيلها. وفي حال عدم موافقتي على أي شيء في السيناريو لما كنت قبلت العمل أساساً. والمهم في الدور قوته وليس طوله.
> كيف انطلقت في السينما، لا سيما في أفلام أخرجها الكثيرون من الكبار بعد نجاحك التلفزيوني العريض في مسلسلات شهيرة، علماً أن السينما نادراً ما تستعين بنجوم الشاشة الصغيرة؟
- قد يبدو كلامي غريباً ولكنني شعرت بالقلق والخوف منذ أول يوم عملت فيه أمام الكاميرات السينمائية وذلك بعدما تمنيت هذه اللحظة سنوات وسنوات. أما عن كيفية انطلاقي في مهنة السينما بعد نجاحي التلفزيوني، فقد حدث الأمر بطريقة عادية جداً وأقصد من طريق تسلمي بعض العروض من المخرجين وشركات الإنتاج، فيبدو أن أهل المهنة لم يعترضوا أبداً على أن أدمج بين الشاشتين الكبيرة والصغيرة من ناحية البطولات، ولعب الحظ دوره بأسلوب فعال في لقائي الكبار بدلاً من الفاشلين. وفي يوم ما قررت مغادرة التلفزيون لمصلحة الشاشة الكبيرة، الأمر الذي لا يعني أنني لن أعود إليه في المستقبل.
تحمل مشقاته
> ما رأيك في الإعلام الذي يقول إنك نجحت بفضل وسامتك المتوحشة بعض الشيء والقريبة من تلك التي تمتع بها الراحل جيمس دين؟
- دعني أؤكد لك أنني نجحت في العمل السينمائي، على الأقل في رأيي، إثر إصابتي بفيروس مهنة التمثيل ورغبتي في ممارستها وكوني تعلمتها في مدرسة للدراما مثل أي ممثل آخر، بصرف النظر عن قدرة ملامحي على فتح الأبواب أمامي. وهناك الكثير من التأثيرات السلبية في الفنانين الذين ينجحون فجأة بفضل مظهرهم ثم يختفون بسرعة البرق. وأعتقد شخصياً أنني أقنعت العالم بجدية نيتي في اقتحام عالم الفن وتحمل مشقاته.
> مشقاته ولكن أيضاً حلاوته خصوصاً أنك ارتبطت زوجياً بالنجمة الجذابة جداً روبين رايت؟
- طبعاً، فهذا ما يقوله الجمهور العريض. وأنا لا أنكر كون شريكة حياتي السابقة وأم أولادي هي من أجمل نساء العالم، ولكن علاقتنا لم تكن مبنية لحظة واحدة على مظهرنا بل على عواطفنا المتبادلة سنوات طويلة مثل أي زوجين أو حبيبين في الدنيا. وكل ما قيل وكتب خلاف ذلك هو عبارة عن كلام فارغ من أي معنى حقيقي وهدفه إثارة خيال الناس لا أكثر ولا أقل.
> وهل تحلم بنجومية على مستوى تلك التي تمتع بها جيمس دين والتي تظل حية مهما مضى الوقت على رحيله؟
- لا، فالمهم هو أن أمثّل وأخرج، أما الشهرة على مثل هذا المستوى فتفيد في الدخول إلى التاريخ السينمائي أكثر من أي شيء آخر، لذلك لا أرفضها وفي الوقت ذاته لا أسعى وراءها بطريقة محددة. وعلى العموم أعرف أن النجومية على طريقة جيمس دين ولّت أيامها والممثل في الزمن الحالي يشبه رجل الشارع العادي، بينما أصبح نجوم الموضة والتجميل في المرتبة الأولى في ما يخص إثارة مخيلة الجماهير. وربما تنعكس الأمور في المستقبل من جديد وتعود السينما إلى مهمتها الأصلية التي هي إثارة الخيال، فهذا ما أتمناه.
> كيف أقنعك المخرج باولو سورنتينو بالعمل في فيلمه «هذا هو المكان»، علماً أن دورك فيه هو فنان موسيقي فاشل تماماً في كل جوانب حياته وشعره طويل؟
- قرأت السيناريو مع سورنتينو لأنه طلب مني أن نقرأه معاً خوفاً من ألا أتعدى الصفحة الثالثة إذا قرأته وحدي، وذلك للسبب الذي تذكره بنفسك. واكتشفت نقطة مشتركة بيني وبين المخرج هي حبنا للحكايات التي تدور أحداثها في الأوساط الموسيقية الصاخبة والتي تتعلق بفنانين فاشلين كلياً ورديئين تماماً، إلا أنهم يتمتعون بصفات إنسانية خلقية جبارة تحولهم إلى ملائكة في نهاية الأمر على رغم مظهرهم. وبالتالي نشأت بيننا صداقة فورية وقوية لا تزال تجمعنا بصرف النظر عن الفيلم. وأعترف بأنني شخصياً كنت أحلم بمثل هذه الفرصة السينمائية لأنها قادرة على فتح الباب أمام ابتكار درامي من الدرجة الأولى. لقد سعدت بأداء الدور وأعتبره الآن من أقوى ما مثلته خلال مشواري المهني حتى الآن، وذلك مهما كان شعري طويلاً في الفيلم.
> من الواضح أنك لا تعمل مع مخرجين من الشباب، فهل هناك ما يبعد شبان السينما عنك؟
- الذين أعمل معهم هم كبار السينما. وهناك جيل جديد من السينمائيين يعبّر عن حياة الشبان ومشاكلهم من خلال الكاميرا، ومن الطبيعي أن يختار هؤلاء ممثلين يلائمون شخصيات السيناريوات من حيث العمر والشكل، وهذا كل ما في الأمر. إنها الموجة الجديدة الحالية مثلما تواجدت موجة «جديدة» في الستينات من القرن العشرين كانت تلجأ إلى خدمات بعض النجوم وتجاهلت الكبار في العمر اعتباراً من سن الأربعين مثلاً. إنها سنّة الحياة.
> وماذا عن الدونجوانية التي لا تزال تلاحقك سينمائياً؟
- الدونجوانية السينمائية مهنتي وهي تناسبني فوق الشاشة فقط إذا تطلبت أدواري أن أجذب النساء، ومن ناحية ثانية لا أمانع في إثارة إعجاب المتفرجات، ولكن عن بعد.
زمن يلغي القيم
> ما هي نظرتك إلى سينما الزمن الحالي؟
- أراها تجرد الحياة من الشاعرية تماماً، فالعنف أصبح مسألة طبيعية، والقتل أيضاً، أما المشاعر السامية فهي اختفت من فوق الشاشة وحلت الخيانة مكان الحب والإخلاص. إننا نعيش في زمن يلغي القيم ويشجع المرء على تنمية غرائزه الحيوانية البشعة، والسينما تعكس هذا الواقع الاجتماعي بصدق يفوق حد المعقول في رأيي. أنا مقتنع بأن الجمهور العريض في حاجة ماسة لمشاهدة شيء يتعدى الواقع اليومي الصعب ويرفع من معنوياته ويعيد إليه الثقة في المبادئ والقيم السامية، وهذا ما أنادي به بالنسبة الى سينما المستقبل.
> أنت تكتب السيناريوات وتخرج، فهل تفضل هذين النشاطين على التمثيل؟
- أعشق الكتابة لكنني في حاجة دائمة إلى التمثيل لأنه عمل جماعي ولأنني أكره الوحدة، والكتابة لا تتم إلا في الوحدة. وبالنسبة الى الإخراج فهو عمل جماعي أكثر من التمثيل لكنه أصعب بمراحل كبيرة أيضاً، لذا أنوي الاستمرار فيه بطريقة دورية مرة كل ثلاث أو أربع سنوات بينما لا أتردد في قبول التمثيل في أفلام عدة وفي كل عام، فالممثل يحمل مسؤولية دوره فقط بينما يحمل المخرج مسؤولية الفيلم بأكمله.
> هل اخترت مهنة التمثيل مثلاً لتهرب من واقع حياتك؟
- إخترتها لسبب رئيسي هو اكتشاف حقيقة نفسي من خلال الأدوار التي أمثلها والتي تجبرني على التفتيش في أعماق روحي عن هويتي الفعلية. إن التمثيل عبارة عن تحليل نفساني لا أكثر ولا أقل، علماً أن الممثل يتقاضى أجراً عن هذا التحليل بدلاً من أن يدفع قيمة الزيارة للمحلل النفساني، مثلما يفعله أي شخص عادي. وللرد على سؤالك، فأنا لا أود أن أهرب بالمرة من واقع حياتي اليومية، فهي تناسبني وأنا رجل سعيد.