2014/06/20

«شكلك غريب»
«شكلك غريب»

 

 فجر يعقوب – الحياة

 

 

في فيــــلم «جنجر وفريد» لفيــلليني، على الراقصيــن الأسطوريين العتيقين جنجر وفريد (لعب دوريهما مارشيلو ماسترويـــاني وجولييتا ماسّينا) الحضور إلى أحد استديوات التلفزة العملاقة في روما للمشاركة في برنامج تلفزيوني همه تقليد المشهورين، ويقدم كل ذلك في قالب كوميدي للترفيه عن الجمهور الذي لا يعود مهتماً بتراث الشخصيات المعنية، فليس مهماً إطلاقاً إن جاء البطل الإيطالي جوزيبي غاريبالدي في شخصية متهكم، أو عنّ على بال مقلد كلارك غيبل أن «يتجشأ» أمام الجمهور بهدف إضحاكه وإمتاعه ومؤانسته. يغص المسرح في تلك الليلة الفاصلة بمقلدين ومقلدات من مختلف الأشكال والألوان، أما الراقصان الأسطوريان فيجيئان من زمن غابر ليرقصا (الخطوة خطوة) التي اشتهرا بها، وأطلقتهما في عالم الرقص الأسطوري. لكن الزمن يقول كلمته هنا، إذ يطل الراقصان العجوزان من غير تلك الخطوات البارعة، مكتفين باجترار ذكرياتهما عن ذلك الزمن الآفل الجميل، ومساعدة بعضهما بعضاً في إكمال الرقصة ليتسنى لهما الخروج من المأزق. إن براعة فيلليني وثقافته دفعتاه لاختيار الراقصين على عكس كل أولئك المقلدين الذين يجيئون بقصد السخرية من الشخصيات التي يقلدونها والتهريج على حسابها، ونيل المكافأة المالية، والاختفاء بعد ذلك في عوالم برامج تلفزيونية، ليس بهدف الشهرة، فهذه آخر همومهم، ولكن كما يقول مخرج الروائع بهدف تقديس عوالم مقلدين يقلدون مقلدين آخرين بغية الوصول إلى كل تلك الحبيبات الغبشة التي تصدر عن جهاز التلفزيون لحظة الانقضاض عليه بالريموت كونترول لـ «إسكاته».

 

هي تلك الثواني التي تلي لحظة انطفائه، في لحظة لم تعد متوافرة الآن مع الشاشات الرقمية. لم يكن اختيار جنجر روجرز وفريد استير لتؤدّى رقصتهما نوعاً من العبث أو السخرية، على العكس، كان فيلليني يمضي في مشروعه إلى النهاية، وكان يعرف أن تفكيك هذا الجهاز يكون مكلفاً، لأن أسراره المنتشرة على الأثير بمقدار ما هي متاحة، ما هي غامضة، ولا يمكن النيل منها، وهو كان يدرك أن تضمين البرنامج التلفزيوني كل تلك الإعلانات التجارية التي تقطع على المقلدين والمقلدات إكمال «حلقات التهريج» التي لا توصف، إنما للتعبير عن حالات الحشد الثقافي التي كان ينحاز لها المخرج الكبير، فهو صاحب فكرة تعريض هذا الجهاز للمطارق الفولاذية، ومحاكمة القائمين على عرض الأفلام السينمائية وتقطيع أوصالها بالإعلانات، والتهريج الذي يطاول «أيقونات سينمائية خالدة» كما «يُحاكَم اللصوص وقاطعو الطرق». ليس هناك ما هو أكثر إذلالاً للراقصين الأسطوريين بعد ذلك من أن يحشرهما المخرج في لعبة خطرة: كيف يمكن عجوزين مسنّين أن يرقصا «الخطوة خطوة» بعد مرور كل تلك السنوات؟ ألا يبدو لهما أن شكل الرقصة سيبدو غريباً جداً، ولا تنفع معها بالتالي كل محاولات إحيائها من العدم، والأفضل لجنجر وفريد أن يهربا إلى مطعم قريب بصحبة فيلليني لتناول الفطائر الساخنة في الصباح؟