2012/07/04
جوان جان - الثورة
ثمة عبارات أضحت بمثابة شفرات بين العديد من الفضائيات بحيث يتفق الجميع على تكرارها واستخدامها استخداماً محدداً رغم أن المعنى المباشر لها لا علاقة له بالمعنى الجديد الذي اتفقت هذه الفضائيات عليه وربما تكون عبارة «شكراً.. وصلت الفكرة»
من أبرز هذه العبارات التي تستخدمها قنوات التعددية الفكرية والسياسية والاقتصادية والحقوقية والتنسيقية، وهي القنوات التي بذلت الغالي والرخيص كي تثبت للجمهور العربي أنها قنوات حيادية، لا همّ لها إلا نقل وجهات النظر المختلفة .
هذه العبارة الذهبية بمعناها وطبيعة استخدامها أصبحت سلاحاً بيد معظم الفضائيات التي تقوم بعض برامجها على التواصل الهاتفي مع الضيوف، سواء كان هؤلاء الضيوف شخصيات اعتبارية أم من المواطنين العاديين.. وأما مكان وزمان الاستخدام فيحددهما مضمون المشاركة الهاتفية، فإذا كانت هذه المشاركة منسجمة مع سياسة القناة امتدت لدقائق لا عدّ لها حتى لو كانت عبارة عن جمل ومعانٍ مكرورة ومعادة، فإذا تجاوز المتصل الخطوط الحمر للقناة كانت العبارة الذهبية جاهزة لتقطع دابر كل من تسوّل له نفسه الخروج عن الهدف من مشاركته : «شكراً.. وصلت الفكرة» وكمّ من مشاركة قيّمة تم قطعها بعد تلفّظ مقدّمها ببعض العبارات لسبب واحد هو أن المتكلّم لم يستوعب أن القناة لم تستقبله إلا لكي يقول ماذا تريد هي منه لا ما يريد هو أن يقوله .
المؤسف في الأمر أن هذا الاعتداء الصارخ على حرية التعبير يتم غالباً بطريقة بعيدة عن التهذيب وأشبه ما تكون بإسكات الضيف بشكل عنيف، وعلى هذا الضيف أن يحمد ربّه إذا لم يبادره المذيع بسيل من عبارات التقريع على آرائه البعيدة عن الفهم الديمقراطي لهذه القنوات والقائم على مبدأ «أنت حر أن تفكّر كما تريد ولكن ينبغي عليك أن تقول ما نريد نحن منك أن تقوله» .
ومن اللافت للنظر أن هذه العبارة نادراً ما يتم استخدامها إذا كان الضيف داخل الاستوديو لأكثر من سبب، أهمها أن ضيف الاستوديو مضمون ومنتقى و(مفرّز) ولا يمكن له أن يخرج عن الصراط المستقيم، وبمعنى آخر فإن فكرته لن تصل (أي لن يتم إسكاته) مهما طال حديثه واستطال لأن الدرر التي تنهمر من فمه واللآلئ التي ينثرها يميناً وشمالاً لا مجال لدرئها من قبل مذيع قد يفقد وظيفته إذا أزعج هذا الضيف، وهذا الأمر أكثر ما يُلاحَظ في الأقنية الناطقة بالعربية والتي تبث من أوروبا، وحيث تخصصت هذا الأقنية في الفترة الأخيرة باستضافة الأفّاقين من الهاربين من بلدانهم لأسباب جنائية أو أخلاقية ليتحولوا بين ليلة وضحاها إلى ناطقين باسم منظمات حقوقية أو مراكز استراتيجية حيث لا مجال للخطأ هنا، فأي هفوة من قبل المذيع مع هكذا ضيوف لا مجال لتداركها، واستخدام مبدأ «شكراً.. وصلت الفكرة» لكفِّ بلائهم عن أسماع المشاهد العربي لا مكان له في قاموس هذه الفضائيات التي يرتعد مذيعوها عندما يتجرأ أحد المتصلين على توجيه النقد لضيوفها فتكون عملية إسكات المتصل بالتي هي أحسن خير وسيلة لعدم إزعاج الضيف (المحترم) خرّيج المعاهد العليا للإصلاح الاجتماعي والأخلاقي .
أدرك أن الكثيرين من القرّاء قد لا يوافقون على هذا الطرح، وها أنا أستشعر أن البعض على وشك مناقشة هذا الرأي، بل ومناقضته، وربما نسفه من أساسه، لذلك لا أجد مناصاً من أن أحذو حذو هذه الفضائيات وأتخذها مثلاً يحتذى لأقول منهياً النقاش وواضعاً الحدّ لكل من سيخالفني الرأي في أدق تعبير عن الديمقراطية الحديثة التي يعلموننا ألف بائها : «شكراً.. وصلت الفكرة» .