2012/07/04
سهر مهنا - البعث
أحمد حامد : «رزق الهبل على المجانين»
هاني السعدي: المعالجة الدرامية تصلح لعمل سياسي بحت
غضب عارم عبّر عنه كتّاب الدراما رداً على شركات الإنتاج وتدخلاتهم بالسيناريو واستحضارهم لأشخاص غير متخصصين وليست لديهم الكفاءة من أجل التغيير والتلاعب بالنص الأصلي تحت ذريعة الإثارة والتشويق، حيث أعلن عدد من الكتّاب استنكارهم لما يسمى بأسلوب المعالجة الدرامية الذي امتهنته مؤخراً بعض شركات الإنتاج مثل (شركة سورية الدولية، وشركة غولدين لاين)، مؤكدين أن رؤية المعالج الدرامي قد لا تتطابق في أحيان كثيرة مع رؤية الكاتب، مما يؤثر سلباً على العمل ويفقده التناغم، فالكاتب هو المعني أولاً وأخيراً لأنه الأقدر على الكتابة، وبالتالي لا يمكننا تبرير هذه التدخلات، طالما أن الكاتب موجود ومستعد للتعديل والحوار بأي وقت، موضحين أن هذا المعالج لو كان خبيراً فعلاً ويتمتع بسعة الأفق، كنا رأيناه كاتباً مرموقاً.
في البداية تحدث الكاتب هاني السعدي قائلاً: إن المعالجة الدرامية تعبير ليس لصالح العمل بحد ذاته، موضحاً أنه عندما تختار الجهة المنتجة العمل، عليها أن تقرأه جيداً وتعرف إذا كان صالحاً للإنتاج أم لا، وفي حال رأت الشركة أن النص غير جاهز للإنتاج، يفترض أن تطلب من الكاتب نفسه التعديل، أما أن تعطيه لشخص آخر ليضيف ويحذف ويغيّر على هواه، هذا لا يجوز لأن لكل كاتب نرجسية خاصة فيه، ويحب أن يكتب كما يحب هو أن يكتب ولن يتقيد بالنص الأصلي الذي قدمه كاتبه، وهذا سيضرب العمل، وعبّر عن رفضه القاطع أن يأتي أي شخص كان ليغير بنص كاتبه الأصلي موجود، والدليل خلافي الآن مع المخرج يوسف رزق، لأنه بعد أن يأخذ النص يجري تعديلات ويضيف لابنه وزوجته، فأفاجأ أثناء عرض العمل على الشاشة، والصحفيون يطالبونني بتوضيح فأتحمل أنا مسؤولية خطأ غيري.
وأشار السعدي إلى أن المعالجة الدرامية من الممكن أن تصلح لعمل سياسي بحت، فمثلاً يوجد عمل سياسي له مؤشرات معينة تجاوزها الكاتب ولم ينتبه بإمكانه حينها الاستعانة برجل سياسي يفهم بالسياسة فيجالسه ويوضح له الأمور ويبقى العمل مع الكاتب نفسه، أما غير هذا أنا لا أقبل.
وأضاف: إن النص الدرامي يكون جاهزاً للتصوير عندما تتشكل قناعة لدى كاتبه بعد أن يعيد قراءته مرتين وأكثر عند الانتهاء من كتابته، ويلجأ لأحد الأصدقاء أو الصحفيين الذين يثق بهم ويأخذ رأيهم، وعندما تكون لديه قراءة حقيقية وتوجه من خلال هذه الكتابة إلى الهدف والرسالة التي يود إيصالها للجمهور ليرتقي بفكره ورؤيته للحياة، مشيراً إلى أنه لا يوجد عمل يصل للكمال دائماً.
لا أسمح لأحد بتغيير نصي
ومن وجهة نظر الكاتب أحمد حامد: نحن مازلنا مجربين ولم نصل لموقع الخبرة الكافية ككتّاب بشكل عام كفريق عمل حتى اليوم على الرغم من أن درامانا سيطرت على السوق، وضمن هذا التجريب من الطبيعي أن يطلب مدير الشركة معالجاً لأنهم يدعون أننا نحن الكتّاب عنيدون ولا نضيف ولا نعمل قراءة أخيرة للعمل، برأيي هذا غير صحيح وإذا انطلقنا من المنتج فهو ليست لديه الخبرة الكافية، ماذا يعني "معالج"، فالمعالج هو طبيب وبالتالي أي شخص يمرض يذهب للطبيب، لماذا؟ لأن الطبيب هو أعلم بحالته ومرضه فهو اختصاصي بالمعالجة.
وأضاف حامد: لاأحد يعرف تفاصيل النص الدرامي ككاتبه، لأنه هو من خدمه وسهر عليه لأشهر طويلة، مشيراً إلى أنه لا مانع عندي عندما يحضرون كتّاباً معروفين لعمل من أعمالي مثل هاني السعدي-ريم وأمل حنا- سامي يوسف، أما عندما يقومون باستحضار شخص ويقولون إنه خريج نقد، فليس كل خريجي النقد يعرفون أن يكتبوا دراما، هذه حالة خاصة بالدراما تحديداً.
وإذا سُئلت عن الذين يعملون بالمعالجة الدرامية في سورية، أين هم الآن، لا نعرف فهم ليسوا متخصصين بهذا المجال فقط بل يعملون عملاً ويختفون فجأة، فلو أن المعالج الدرامي خبير بالدراما كنا رأيناه كاتباً كبيراً ومهماً، لكن أنا أقول: «إن رزق الهبل على المجانين»، ولا أسمح لأي شخص على الإطلاق أن يغيّر كلمة واحدة بنصي فهذه الكلمة أنا أدرى بها وأحياناً عندما تقوم الشركة بتعديل ما ، يكون دون علمي وأثناء العرض أكتشف "البلاوي"، بينما في المقابل لو طلبت إليّ الشركة أو المخرج تعديلاً مقنعاً، حينها سأعدّل وأنا مستمتع لأني أجمّل عملي والأهم أنا أتعلم كيفية بناء النص، وأقول: ليس العيب أن يكون لدي أغلاط، العيب ألا أعترف بها وأتستر عليها، لأنني سأظهر أمام المشاهد قليل الخبرة، لأن القراءة والكتابة الأخيرة هي من مسؤوليتي أنا وهذا ينطبق على الأشخاص الذين يحبون عملهم.
وختم كلامه مؤكداً أن النص الدرامي لا يكتمل حتى بعد تصويره، المهم "النبرة" لأنها النص الذي يحوي الحكاية الجميلة والشخوص والتوجه للمشاهد، فطالما نحن بشر نتطور كل لحظة، ولو طال الزمن واختلفت الظروف أعيد تصوير كل أعمالي.
ماذا تقول شركات الإنتاج الفني؟!
وللوقوف على حقيقة هذه المسألة التي أثارت الكثير من الجدل بين عدد من الكتّاب وشركات الإنتاج حول موضوع المعالجة الدرامية، أكد لنا المنتج والفنان "فراس إبراهيم" بأن المعالجة الدرامية ليست موضوعاً قسرياً، فليس أي نص بحاجة للتعديل، هناك نصوص مكتملة ليست بحاجة للتعديل، وهنا يبرز دور المنتج في الانتقاء، فالتعديل يجب أن يكون بيد كاتب النص حصراً، أما المعالجة قد تكون ممكنة فقط في حال وجدت تعديلات رفض الكاتب إنجازها وطلب هو نفسه وجود شخص آخر يقوم بإجرائها، بهذا الشكل ربما تتم المعالجة.
وأضاف إبراهيم: أنا بحكم عملي كممثل ومنتج بإمكاني قراءة النص والحوار مع الكاتب، لكن في النهاية ليس كل المنتجين لدينا لديهم إلمام بكافة جوانب الموضوع.
في حين أوضح «يامن ست البنين» المسؤول الإعلامي لشركة "كولدين لاين" أن شركة الإنتاج تلجأ للمعالجة الدرامية عندما يكون في النص ثغرات وضعف في أحد الخطوط، إن كان في بناء الشخصيات أو الحبكات الدرامية أو غيرها، حينها تلجأ الشركة المنتجة أو المخرج لكاتب النص للعمل على تقوية المادة الموجودة وعندما لا يستطيع الكاتب، يتم اللجوء لمعالج درامي بالاتفاق معه أي بعد موافقة الكاتب، مضيفاً أن الكاتب أحياناً لا يستطيع معالجة العمل كما يريد المخرج من وجهة نظره وترجمة تصوره كما يرغب، فيكون للمعالج الدرامي رؤية مختلفة تزيد العمل ترابطاً، ومن الممكن أن يضفي على العمل أفكاراً لمصلحة النص وخلفيات لم يستطع كاتب النص الأصلي رؤيتها، وفي النهاية الجميع يعمل لتقديم نص أفضل.
وعن سؤال فيما إذا كانت الأعمال المأخوذة عن رواية تحتاج لمعالج درامي يجيب "ست البنين": نعم وذلك لتوثيق الأحداث ومصداقية الرواية إن كانت تاريخية والبحث في جميع جوانبها، وأمانته وترجمته لها عبر الشخصيات المراد ظهورها في العمل، وإضافة خطوط جديدة ليقدم كنص تلفزيوني مترابط ومشوّق.
وعن الحدود التي تتوقف عندها شركات الإنتاج بالنسبة للتغيير في النص قال البنين: هو اتفاق بين الشركة والمخرج من جهة، ومع الكاتب من جهة أخرى للتوصل لنص يكون على سوية عالية وتقديمه بشكل أفضل، فإن وافق الكاتب الأصلي على وجود معالج درامي إن كان النص بحاجة لمعالجة درامية، يتم الاتفاق بين كلا الطرفين.
من جهة ثانية، أكد المسؤول الإعلامي "لشركة قبنض" عصام عبد الباري أن شركة الإنتاج تلجأ أحياناً للمعالجة لأن النص يكون غير مكتمل والحوار غير مترابط، وهنا يأتي دور المعالج لإصلاح الخلل في ترابط الأحداث، وهو ليس ضرورياً لكن يفضل من باب الإثارة و التشويق.
وأضاف: ليس بالضرورة التعديل فقط في حال كان العمل مأخوذاً عن رواية، بل هناك أيضاً سيناريوهات تتم معالجتها في حال كانت هناك حاجة لذلك، فمثلاً مسلسل(باب الحارة) وشخصية "العكيد" أبو شهاب الذي اختفى فجأة،كان لابد من التعديل لكي يفهم المشاهد السبب المفاجئ لاختفائه، ونحن حين نضطر للتعديل نطلبه من الكاتب وبموافقته، لأننا لسنا مع ما يسمى بالمعالج الدرامي، فهذا يلحق ظلماً وغبناً بالكاتب، لافتاً نحن لدينا لجنة قراء متخصصين من كتّاب وممثلين.
وأوضح الباري: إنه لا توجد حدود تقف عندها شركة الإنتاج، فمثلاً عندما يكون العمل بحاجة للتصوير في الخارج وهذا يحتاج لتكاليف باهظة (فيزا وإقامة للممثلين والفنيين وغيرها..) لا بد من تدخل المنتج لأن سعر العمل عندما تبيعه الشركة سيكون سعراً واحداً أينما تم تصويره.
وفي المقابل أكد مصدر مسؤول في شركة سورية الدولية أن شركات الإنتاج تلجأ إلى المعالجة الدرامية عندما تعثر على نص جيد من حيث الفكرة والمضمون ولكنه يعاني من بعض المطبات على مستوى المعالجة، وأحياناً يكون وجود المعالج الدرامي ضرورياً حتى لو كان الكاتب على استعداد للتعديلات المطلوبة، فيشكل المعالج الدرامي وجهة نظر خارجية تكون أحياناً أكثر عمقاً كونها تملك مسافة عن شخصيات النص.
وأشار المصدر إلى أن كل نص درامي بحاجة إلى قراءة درامية ثانية وخارجة عن الكاتب وذلك كوجهة نظر أخرى في شخصيات العمل، ولكن ليس بالضرورة أن تدرج تحت مسمى معالجة درامية، فهناك بعض النصوص التي تملك بناء درامياً متماسكاً على صعيد البنية وبالتالي لا تحتاج إلى أية معالجة درامية.
وأضاف المصدر: إن المعالج الدرامي هو الذي يقوم باقتراح بعض التعديلات وإملاء بعض الثغرات والأخطاء التي تعتري بعض النصوص على مستوى البنية الدرامية، من حيث الحبكة، الحوار لكي يكون متماسكاً ومنسجماً مع الشخصية، منطق رسم الشخصيات، الحفاظ على أن يكون إيقاع الحلقات مشدوداً وتجنب الوقوع في مطب الملل والتكرار.
ورداً على سؤال إذا كانت المعالجة الدرامية تنحصر فقط للأعمال المأخوذة عن الروايات قال المصدر: بشكل عام الرواية بحاجة إلى إعداد درامي يحوّل الرواية والسرد فيها إلى نص درامي قائم على الحوار، وهو بمثابة معالجة درامية أيضاً، ولا ينحصر عمل المعالج الدرامي بنص الرواية فقط.
وعمّا إذا كان لشركة الإنتاج الحرية المطلقة في تعديل النص أجاب: من المؤكد أن شركة الإنتاج تملك الحق في إدخال تعديلات على النص المختار لإنتاجه، ولكن في الوقت ذاته صلاحيتها محددة وليست مطلقة وبشكل لا يؤثر على رؤية الكاتب أو يغير من وجهة نظره في شخصياته وفي مقولته العامة عن العمل.