2012/07/04
رامي عبد الرازق – المصري اليوم
فى فيلم «حدوتة مصرية» يقول يوسف شاهين على لسان نور الشريف بعد أن أقنع منتج «باب الحديد» بتمويل الفيلم أنه اقتنع بسبب تصوره الفيلم «كوميدى وإغراء وهند حترقص فيه»، كانت هذه وستظل إحدى معادلات سينما التركيبة المصرية التى لا تتغير سواء قامت 100 ثورة أو سقط ألف نظام، وبدلاً من هند رستم تستطيع أن تضع دينا- والقياس مع الفارق طبعا- ولكنه مبدأ تقديم اللحم الأبيض لمتلق يعانى من جوع غرائزى لا يشبع.
كان شاهين يطلق على نوعية أفلام «شارع الهرم» فى زمنه «حشيش اللحظة» لأنها تصنع لمتعاطيها- ولا نقول مشاهدها- حالة الغيبوبة المفعمة بهلوسات شهوانية تماماً مثل الحشيش، الفرق فقط أن نوع الحشيش السينمائى المقدم فى عهد السبكى أكثر رداءة من حشيش اللحظة فى زمن المخرج الكبير.
إن صناع «شارع الهرم» لا يهمهم أن تعيش أفلامهم لأنها تولد ميتة، فهى لا تنتمى لنوع سينمائى وليس لها أب درامى شرعى، ولكنها ابنة كباريهات شارع الهرم والمسرح السياحى الذى انتشر خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات.
لدينا عدد غير معروف من الرقصات فى الفيلم بعضها يتجاوز الخمس دقائق فى زمنه، سواء كانت رقصة لـ«دينا» أو لـ«آيتن عامر»، يتخلل ذلك مشهد اغتصاب دينا على يد أحمد سلامة فى دور شخص سادى يدعى «وزير الحنان» ثم رقصة، ثم مشهد لأحمد بدير يضع يده فى صدر دينا ويمص أصابعه ثم رقصة أخرى، فمشهد لـ«مها أحمد» تسخر من الثورة وتقول إن «العرسان صنعوا مليونية من أجلها.. لكن أغلبهم كان من الفلول»، ثم رقصة، ثم مشهد لـ«لطفى لبيب» يقول «البنت اللى حيلتى باظت» ساخراً من مشهد «شىء من الخوف» الشهير ثم رقصة، وهكذا دون أن يكون ثمة رابط درامى أو مكان محدد لكل مشهد، فالمشاهد يمكن أن تتبدل بسهولة شديدة ما بين الرقصات التى تم الاهتمام الكامل بتصويرها من كل الزوايا والاتجاهات سواء من بين سيقان فتيات الكومبارس أو من زاوية موائد الخمور والمُزات فى كازينو الليل، فنحن أمام نموذج لمعادلة كيميائية «مهمة» وهى كيف تصنع من الفيلم كباريه رغم اختلاف النوع والغرض!
كل شخصيات الفيلم منحرفة تعانى من أمراض «نفس/جنسية» واضحة، فـ«ماهرالقرش» الملقب بـ«وزير الحنان» يعانى من السادية التى تجعله يخطف الفتيات ويضربهن بل ويقتلهن أيضا، أما لطفى لبيب «عم هندى» فهو أب ديوث بمجرد أن يعرف أن ابنته الجميلة اغتصبت يجرى بها على الطبال حمص لكى تعمل كراقصة فى شارع الهرم! ولا يتورع عن تقديمها إلى ماهر القرش نفسه فى مقابل الفيلا والسيجار، ومادلين طبر فى دور فرجينيا كباريهات الهرم هى نموذج للقوادة التى تبيع أجساد الراقصات إلى القرش، أما آيتن عامر الراقصة الشابة فتعانى من مازوخية- حب التعذيب-تجعلها تقبل أن تعيش أسيرة فى فراش ماهر مختفية لأكثر من نصف الفيلم بعد أن أدت رقصة طويلة ومشهد فى السرير ثم رقصة أخرى وحوار تعلن فيه عن حزنها لأن مدة صلاحيتها كأسيرة انتهت، وكل من مها أحمد وبدرية طلبة فى دور بنتى عم هندى وأختى زيزى«دينا» تعانيان من كبت جنسى فظيع نتيجة العنوسة تجعلهما طوال الوقت تتشدقان بإفيهات جنسية مبتذلة تدعو لاغتصابهما علانية فتقول إحداهما لدينا بعد أن خطفها ثلاثة واغتصبها واحد «كنتى ناديتى علينا علشان نشيل عنك حمل الاتنين التانيين»، ولا ننسى أحمد بدير المحامى المنحرف الذى يعانى من شهوة مستمرة تجعله يعرض شقته على أى فتاة يتعرف عليها، بل ويغمس أصابعه فى صدر دينا ويمصها فى لقطة شديدة الابتذال، ويتحسس ساقيها قائلا إن ساقه تشبه ساقيها ولكن كل ما تحتاجه هو.. صانعاً بيده علامة إزالة الشعر بالطريقة البلدية.
هذه هى الشخصيات التى دفع الجمهور المصرى10 ملايين جنيه لمشاهدتها بعد الثورة! وفى الوقت الذى يطالب فيه الثوار برفع الحد الأدنى للأجور إلى1200 جنيه ينفق المصريون مليونى جنيه يومياً لمشاهدة فضلات النفوس المريضة، وهو أمر كارثى على المستويين السياسى والفنى!
وقديما، كان هذا النوع من الأفلام يحتوى على رسالة تعلى من شأن الفن -حتى لو كان الرقص البلدى- فى مقابل مقاومة شخصيات منحرفة مثل ماهر تريد الحصول على جسد الراقصة أو استغلالها فى جرائم ساذجة، ودون الخوض فى العقد الجنسية المظلمة، ولكن الغريب أن «شارع الهرم» بعد كل هذا الانحراف والشذوذ يصيغ رسالته بأن الرقص حرام، فـ«حمص» الطبال يعود لأبيه سائق الميكروباص قائلا إنه تبرع بكل ماله الحرام من وراء الطبلة إلى الخير وعاد ليعمل سائقا، أما دينا فتعود كراقصة للفنون الشعبية! فأى منطق درامى أو غير درامى هذا! وما شأن الحلال والحرام بتجربة مسفة كهذه! ولماذا تقرر زيزى وحمص اعتزال «الحرام» بعد أن نجحا فى سجن ماهر القرش وعادل المحامى الفاسد وأصبحا حرين من شرهما؟ أما كان من البداية أفضل! أم هو بسبب «استشهاد» أبيها هندى على يد بلطجى أرسله ماهر لها وهم يحتفلون بانتصارهم عليه؟ أم هى متاجرة بشعارات المرحلة الحالية وخوفاً من سلفيى التحريم؟ أم تراه ادعاء لمبادئ هما نفساهما كمغن شعبى وراقصة لا يؤمنان بها!
إن الإنجاز الذى حققه السبكى بهذه التجربة هو أن كشف لنا مدى توطن العقد النفسية فى عقول شرائح كثيرة من مشاهدى السينما، لا يعنيه شيئاً إلا مشاهدة سيقان دينا العارية.