2013/05/29
سانا - سامر اسماعيل
يمكننا الإطلالة عبر السيناريوهات التي قدمها كتاب الدراما السورية على كتابة فنية جديدة أخذت مشروعيتها من راهنية طرحها قبل كل شيء.. كتابة تنمو تحت وهج الصورة بل هي تحت عنايتها فالصورة هنا تستطيع نقل الكتابة من سيناريو ورقي إلى شاشات عشرات الفضائيات كما يصنفها الكاتب السوري فادي قوشقجي فيقول.. الكتابة الدرامية في جوهرها كتابة للشاشة فهي ليست كتابة روائية مع إنها تنهل من معين السرد وتتغذى عليه بل هي رواية تلفزيونية يصنفها بعض الفنانين تحت مصطلح "قلي لقلك" كحكي يتبعه حكي دون انقطاع وعلى مدار أكثر من ألف ومئة مشهد.
الكتابة التلفزيونية نوع قائم على حواراته قبل كل شيء
ويرى قوشقجي أن الرواية التلفزيونية تأتي على شكل حلقات مسلسلة كتلك التي نشرها كل من بلزاك وديستويفسكي في الجرائد على شكل سلسلة روائية لكنها ليست أدبية فهي ليست خاضعة للوصف إلا عبر الكاميرا وفي حالتها تعتبر ما قبل تفريغها إلى مشاهد في مواقع تصوير لا تزال في وضعها الأولي ضمن كتابة حكي متواصل لشخصيات وأدوار متناثرة هنا وهناك حيث انها كتابة تحتاج إلى تحرير نحو صياغة السيناريو التلفزيوني الاجتماعي.
لكن ما الذي يجعل من هذه الكتابة فنا... يجيب على ذلك الناقد الدرامي موسى أسود.. "لست هنا في وارد إيراد قواعد لتعليم السيناريو في عشرة أيام كما تفعل العديد من الكتب التجارية التي تصور لنا كتابة السيناريو بالشيئ السهل مع أن هذا صار رائجاً بالأخص بين أوساط الشباب السوري فواحد من هذه السيناريوهات سيكون كافياً لتحصيل الشهرة والمال وسيكون كاتب السيناريو التلفزيوني بمثابة صورة عن روائي العصر الجديد بل روائي بصري يركب حيوات متنافرة لبشر يتناثرون على مساحة مدينة أو مدن عبر قدرة استثنائية في نمذجة البشر وتصنيفهم وضبط أوقاتهم وفق صيغ على نحو صيغة "ليلي داخلي" "نهاري خارجي".
ويضيف أسود.. "إنها صيغة لكتابة تقترح علينا زاوية الرؤية بل تؤطرها فعلى الرغم من أن البصرية التلفزيونية عبارة عن مزيج هائل من الأفكار والصور التي تتداخل فيها وتصنعها عشرات العقول الإبداعية إلا أن هذه البصرية تحدد المكان وتحصره وتحده وهذا هو الفارق الجوهري في عملية التلقي للعمل التلفزيوني عنها في عملية القراءة للنص الروائي فإذا تجاوزنا هذا الموقف التنظيري البحت عن المقارنة بين الرواية التلفزيونية والرواية الأدبية المقروءة سنجد أنه سنكون أمام نوع خالص وجديد نوع كتابي يرتكز على رسم الخارطة البصرية وعلى شحن المفارقة وتجييش التشويق والإثارة كون الكتابة التلفزيونية نوع قائم على حواراته قبل كل شيء.
هذه الحوارات في المادة التلفزيونية ليست مجرد ثرثرة عديمة القيمة كون هذه الحوارات هي مادة الدراما القائمة على الأفعال وعلى تنامي الفعل وتجذيره في البنية العامة للعمل التلفزيوني إلا أن هذه الدراما ليست في متناول اليد كما يظن البعض تقول الفنانة سوزان سلمان التي عملت مؤخراً في ورشة جماعية لكتاب السيناريو التلفزيوني.. الكتابة هنا قائمة على فهم نقدي عميق لمكونات الواقع الذي تريد تناوله وعلى رسم الشخصية وإضاءة المساحات المظللة في الراهن الاجتماعي من خلال الإطلالة على نهر اليومي المعاش وذلك باجتزاء مقاطع عرضية مطولة من هذا اليومي.
السيناريو التلفزيوني ليس بعيداً عن هموم الناس
السيناريو التلفزيوني ليس بعيداً عن هموم الناس بل هذه الهموم جوهرية في عملية الكتابة للشاشة الصغيرة كونها معينا رئيسا لالتقاط المفارقة مادة الدراما الأولى وكون هذا الهم اليومي أيضاً هو العنصر الحاسم في جذب المشاهد واستدراجه إلى المتابعة حيث يعمل الكاتب الدرامي ملاحظاته عبر الأفعال التي تقوم بها الشخصيات الموجودة على نطاق الصراع الدائر لنصير كمشاهدين معنيين قبل كل شيء بما يحدث بمعنى آخر تمثل الواقع الافتراضي على الشاشة ومحاكاته تعلق الناقدة راما بدرة مضيفة.. تنزع السيناريوهات الخاصة بالمسلسلات الاجتماعية السورية نحو ترميز جديد لواقع الحال مغتنمةً فرصتها التاريخية هذه لتنميط حياة خاصة بها ليست حقيقية بالمعنى المباشر للكلمة لكنها تحاكي الواقع من مكامن مختلفة ففي نظرة خاطفة لما قدمته الدراما السورية عبر السنوات العشر الأخيرة لن تقدم لنا أمثلة كثيرة عن أعمال مهمة وجيدة إلا ما ندر.
رغم شدة الأثر الذي يتركه المسلسل الاجتماعي وشخصياته في وجدان المشاهد إلا أن هذا الأثر غالباً ما يكون خاضعا لنسيان سريع إذ ينتهي بانتهاء عرض المسلسل ففي نظرة عاجلة لما قدمه كل من حسن سامي اليوسف ونجيب نصير وأمل حنا وريم حنا ودلع الرحبي وممدوح حمادة وخالد خليفة وفؤاد حميرة سنلاحظ هذا الغنى الحياتي المتنوع في الإشراف على المشهد المعيشي السوري وسنلاحظ قدرة هؤلاء على سبر أغوار جديدة ومجهولة من هذا المعيش عبر تعرية ظروفه الاجتماعية والتاريخية وبالدخول إلى أماكن لم تطلها بعد عين الكاميرا التلفزيونية ونكاد نقول السينمائية.
في مسلسل "الانتظار" كما يرى الفنان أيمن رضا استطاع كل من الثنائي نجيب نصير وسامي اليوسف اختراق البنى النائية لأحزمة الفقر الموجودة حول دمشق من خلال ما جسدته كاميرا المخرج الليث حجو بشفافية قل نظيرها في الأعمال السورية ومرد ذلك كان برأي رضا هو جودة النص وثراؤه الفني الذي عول على فك شيفرة اجتماعية شديدة التعقيد عبر بناء واع لشخصيات مسلسل "الانتظار" بمعالجة درامية أخذت موقفها من الواقع المحتمل مصوبةً مجساتها الخبيرة لفحص نبض الحياة في غرفة عناية بصرية مشددة.
على مستوى آخر رغم التنوع الظاهري الذي عكسته الأعمال الدرامية السورية على طول السنوات العشر الأخيرة إلا أن هذه الأعمال الجديدة ذهبت للخضوع تحت هيمنة الكليشيهات في معظمها ولعل أبرز هذه الكليشيهات وضوحاً هي كتابة الشخصيات في المسلسل الاجتماعي إذ نادراً ما أفرزت الساعة التلفزيونية السورية شخصيات مكتوبة بحرفية بل يمكن القول إن أغلب ما أنتجته الدراما الاجتماعية تمحور جميعه في أدوار أكثر منه شخصيات من لحم ودم وشتان بين الدور والشخصية فالدور عبارة عن شكل خارجي يلعبه الممثل دون أدنى عناء ويديره لصالح الحبكة الدرامية السهلة وغالباً مايكون هذا الدور إما شريراً أو خيراً.. أسود أو أبيض.. على أكبر تقدير.
الدور لا يتيح للكتابة الإبداعية النفاذ إلى العمق والشخصية الدرامية مشوقة وساحرة
يقول المخرج زهير قنوع.. إن الدور يبقى دوراً في تقسيم كتاب مبتدئين أو دخلاء على الكتابة الإبداعية لأنهم يديرون لعبتهم المبسطة هذه عبر لعبة أدوار ودون أدنى عناء بل يغالون في حدة الزوايا التي يشكلها الدور في مواجهاته مع أدوارٍ أخرى في العمل التلفزيوني ليصبح المشاهد متابعاً لجوقة من الأدوار السطحية في مشاعرها وأحاسيسها ورغباتها فالدور لا يتيح للكتابة الإبداعية النفاذ إلى العمق كونه يحاكي القشور في كل شيء ثم انه لا يسمح بتحقق معنى الدراما بل يحولها إلى مجرد ميكانيك أحداث لا تطل على واقعها المفترض محاكاته بصدق وتجرد فالدور لا يقول شيئا كونه غير قادر أصلاً على إيصال مكنونات الدراما بل يراوح في فناء البيت من غير أن يدخل إلى الغرف السرية التي تتيحها الشخصية.
إذا الدور غير الشخصية والدور قريب جداً من رسوم الكاريكاتور كونه يوصل الفكرة ببساطة ويعرف عن نفسه من النظرة الأولى لذلك فهو لا يحتاج إلى مقدمات ولا يستأهل قراءات متعددة حيث أن الأدوار تبدو معافاة من كل ما يلزمها من تركيبية فالمطلوب من الممثل في تقديمه لدوره في مسلسل ما هو فقط أداء منسجم مع تسطيحاته متناغم مع الكليشيه النمطية التي يلخصها الدور.. فهل هو بقال الحارة... أم هو "عوايني"... أم هو جاسوس... أم هو الزوج أو الزوجة المخدوعة... أم الرجل المتنفذ... هل هو طالب جامعي... أم مدير شركة متعددة الجنسيات... أم هو "هي أب أو أم رؤوم يخاف" تخاف على أبنائها.. يجيبنا على ذلك الناقد موسى أسود معلقاً.. سيان كلها فالأدوار نسخ متلاحقة من الثرثرة المفرغة من مضامينها ولاسيما في معظم الكتابات الجديدة التي صنعت قوالبها الفنية الجاهزة لطباعة أدوار لا نهاية في لعبها البصري قبل منه الكلامي أما الشخصيات فلا مجال لها في السيناريو الاجتماعي إلا فيما ندر كون الشخصية الدرامية رغم أنها دور في الأصل إلا أنها فارقة ومفارقة عن مزايا الدور نفسه فهي قبل كل شيء كتومة ولا تعطي انطباعاً بيناً من اللحظة الأولى في عين المشاهد ثم إنها مفاجئة وثرية..غامضة وعميقة.. متناقضة في حدود منطقها الدرامي والشخصية المكتوبة هي أصل وفصل الدراما فالشخصية لائبة متحركة فاعلة انتقامية قلقة ومغايرة لتوقعات بالمرصاد بل منزهة عن التكرار كونها لاذعة خوانة وشريرة حتى في مآربها الطيبة ظاهرياً هي أنانية متحاربة متسلطة ومتغطرسة ومتجاورة مع الشخصيات الأخرى.
الشخصية الدرامية إذا متطلبة ومشوقة وساحرة فهي شكاكة إلى أبعد حد مخادعة متكلمة حتى في صمتها رغائبية مدمرة ومتصارعة حتى مع ذاتها فالشخصية هي المأزق الدرامي وهي من ينجز الخطأ التراجيدي بل هي من يسوغ له مقتل الترك فيه.. تقول الدكتورة نهلة عيسى.. الشخصية ليست دوراً مع أنها كذلك فهي تلمح ولا تصرح تغلي لكنها تبتسم تمد يد الطيبة لكنها فتاكة وخطرة الشخصية هي القصة هي الصراع في السيناريو فهي جسد الحبكة أما الدور فهو فيزياء محضة بينما الشخصية كيمياء خالصة ملامح وقسمات وخليط ومزيج هائل من التناقضات مثلها مثل الكائن الإنساني فالدراما نحن.. الدراما هي اللوبان بين الفعل ورد الفعل ولا يمكن أن ننعت الأعمال التلفزيونية بالدراما السورية قبل أن نكتب كيمياء شخصياتها لا أدوارها الوظائفية.
كتابة السيناريو التلفزيوني المحكم يحتم بالضرورة ثقافة هائلة
وتضيف نائب عميد كلية الإعلام بدمشق.. كتابة السيناريو التلفزيوني المحكم يحتم بالضرورة ثقافة هائلة لدى كاتب أو كاتبة السيناريو فمن غير الجائز أن يكتب الأميون للدراما السورية ومن غير المعقول أن يخرج أعمال هذه الدراما جهلة لا يقرؤون وليس لديهم أدنى درجات التحصيل العلمي أو الأكاديمي ومن غير اللائق أيضاً ترك الحبل على غاربه لأنصاف وأرباع المواهب هوءلاء الذين تروج لهم وتلمعهم شركات المال الجاهل فيصبحون نتيجة تضافر عناصر فنية وتقنية موجودة بطبيعتها ومن تلقاء نفسها بين أياديهم أساتذة كبار لا يشق لهم غبار ولا يمكن أن يقبلوا إلا بأجور خيالية نتيجة أنهم "نجوم" بالمعنى التجاري للكلمة وهذا برأيي ما أدى إلى أن تعطي الدراما السورية فكرة قاتمة عن مجتمعنا السوري هي في أصلها مزيفة ومغلوطة مثلها مثل ما تفعله الآن فضائيات الكذب العربي.
إن الاستمرار على منوال كتابة الأدوار سيهدم عاجلاً أم آجلاً أي بارقة أمل لمشروع نعتبره منتجاً وطنياً وسيأتي على كل الجهود المبذولة للمنافسة فنظرة خاطفة اليوم لما قدم في سيناريوهات الدراما المعاصرة سيذكرنا على الفور بشخصيات لا يمكن أن تمحى من ذهن المشاهد كونها شخصيات وليست أدواراً فمن ينسى شخصية أسعد الوراق التي أداها الفنان الراحل هاني الروماني.. بل من ينسى شخصية مطر في مسلسل ذكريات الزمن القادم وشخصية ديب التي أداها بسام كوسا في "سحابة صيف" للكاتبة إيمان السعيد... وشخصية وفائي لعبد المنعم عمايري في مسلسل الثريا وشخصية وحيد الجلاليم خرج المسرح في مسلسل سيرة آل الجلالي لغسان مسعود و شخصية هدى التي أدتها أمل عرفة في مسلسل غزلان في غابة الذئاب، وشخصية ابن عباد للفنان الراحل خالد تاجا في مسلسل الزير سالم لممدوح عدوان.
شخصيات كثيرة حفلت بها سيناريوهات الدراما السورية في بداياتها الأولى والمتوسطة وقليل منها في مرحلتها الراهنة لكن للأسف تراجعت الشخصيات لتحل مكانها الأدوار تقول الكاتبة سهير سليمان... الكتابة الدرامية اليوم أصبحت تعج بالتقنيين أكثر منهم المبدعين الأصلاء وأصبح بمقدور الجميع بمجرد الحصول على نموذج من سيناريو تلفزيوني أن يكتب على غراره يمحو النص الأصلي ملفقاً لنا مسلسلاً عن جرائم الشرف والمافيات تحت الأرضية ومرضى الإيدز وسفاح القربى وحارات الشام العدية.
كتابة السيناريو "شغلة يلي ما لو شغلة" والإخراج تحول لمهنة تنفيذية
لقد أمست كتابة السيناريو "شغلة يلي ما لو شغلة" كما يقال في الدارجة السورية كما تحولت مهنة الإخراج إلى مهنة تنفيذية تدير أدوارها الممجوجة أمام الكاميرا دون وازع من جمال أو ضمير وأمكن للبعض بمجرد اعتمارهم لقبعة "كاسكيت" وتركهم لذقونهم تطول وتطول أن يصبحوا أو يصبحن مخرجين أومخرجات يبهرونا يوماً بعد يوم بكوارث بصرية وكلامية ما أنزل الله بها من سلطان فلم تبقى مهنة الإخراج ذات طبيعة خاصة تتطلب روءيا فنية ومعرفية وسيسيولوجية بل أصبحت وبكل سهولة وبمجرد التقرب من الشركة المنتجة والمواظبة على الحضور المتواصل في مواقع التصوير والتنقل من مساعد ملابس إلى مساعد مخرج إلى مخرج منفذ من الممكن أن تصير مخرجاً عبقرياً لا يشق له غبار.. إن كتابة سيناريو تلفزيوني ليس بالأمر السهل كما يظن البعض فالواقع مهما بدا مطواعاً للمحاكاة الخاطفة والمتعجلة إلا أنه لا يظهر منه سوى السطح للكاتب المتمرن وهو غالباً سطح لا يوحي بشيء مما يؤدي إلى صورة تلفزيونية سطحية غير قادرة على ملامسة جوهر الأشياء وعلاقاتها بالأشخاص والأمكنة كون هذا النوع من الكتابة يرتكز قبل كل شيء على مخزون ذهني وعاطفي ووجداني غير متوفر للجميع فالمشاهدون هنا أمام ملاحم من نوع آخر وأحداث تقود وتستدعي أحداثاً أخرى لكن ليست على طريقة العجالة الإنتاجية التي تعمل وفق سوق المواسم الرمضانية لسد حاجة فضائيات لا هم لها سوى الاستثمار من واقع وهموم المواطن العربي السوري بغية استقطاب المعلنين إلى شاشاتها.
يقول المنتج السوري خالد عساف.. التجارب التي قدمها كل من يم مشهدي ورانيا بيطار وطلال مارديني تعاني من خلل رئيسي وهو إصرارها على تغييب الحكاية لصالح التقاط مفردات الحياة اليومية بعجرها وبجرها فعلى الرغم من أهمية هذا الطرح الجديد إلا أن خفته وروتين حبكته لا يسمحان للمجتمع من أن يطل برأسه على تجارب أكثر غنى وأكثر مماحكة لواقع الحال والأهم أكثر طزاجة وجدة وأخشى القول ان المستقبل القادم سيحفل بحراك فني يحتاج إلى ساعات من التصوير المتواصل ساعات طويلة لا يمكن محوها من الذاكرة حيث يصبح مكان العمل الجديد مكاناً افتراضياً وقابلا للتشظي مع انفلاش أي شخصية عن نوازعها ورغباتها وكبتها.
ويوضح عساف.. طبعاً لا يمكن أن ننكر أن هناك نصوصا معقولة كتبت للدراما السورية أو نجزم هكذا أنها لم تقدم مقترحاً درامياً أو بصرياً لمئات المشاهد التي صورتها الكاميرا التلفزيونية كثيرة الاستعمالات لكن يجب أن نعترف أن ثمة كتابة أخرى وهي الأهم على أكبر تقدير لا يتدخل فيها الكتاب على اختلاف نزواتهم وعلى كثرة المفاجآت أو بلادتها وهي كتابة لا تتم في غابر الأخيلة الدرامية الفذة ولا في مراحل كتابة الديكوباج أوتحويل مواقع التصوير المتباعدة إلى سرد منطقي للصورة المأخوذة فالممثل السوري استطاع كتابة أدواره وفق منطق الآن وهنا في مواقع التصوير المتعددة وهذا ينسحب على جميع -أنواع الدراما من التاريخي والفانتازي حتى نصل إلى الحديث والكوميدي.
لكن كيف فعلوا ذلك... ألم يكن هناك نصوص... ألم يكن هناك كتاب ومخرجون... يجيبنا المخرج المثنى صبح قائلاً.. دائماً هناك نص أو سيناريو لمسلسل طويل عريض فالكتابة للتلفزيون ليست سوى خلق مناخات مناسبة وإيجاد ترب ملائمة لكوادر التصوير لكن الشخصيات هي من إبداع الممثل قبل كل شيء وهذا لا يتوقف فقط على الكاركترات أو طريقة رسم الشخصية وإنما يذهب إلى البحث عن مفاتيح فنية وإبداعية لتقديم هذه الشخصية بصفتها الملائمة وهي في هذه المرحلة أي ما قبل التصوير ستبقى مجرد جمل مطولة من الحوارات والتقطيعات البصرية فهي بالأصل مكتوبة كما معظم الشخصيات التي ترسمها السيناريوهات فتكون معدة مسبقاً ومعروفة لمن ستذهب بعد إنهاء الكتابة فكثيراً ما نسمع أن كاتباً فلانياً يتخيل وهو يكتب أن هذا الدور لفنان فلاني وممثلة علتانية معولاً على شكل مسبق لكتابة الدور.
وهذا جزء هام من صياغة الشخصية فكتابة يمارسها السيناريست بأصوات وإيحاءات تلك الشخصيات.. هذا على مستوى ما قبل التمثيل لكن الكتابة الثانية وهي الأهم ستأتي أثناء التصوير حيث سيقوم هذا الممثل الذي فصلت له أدوار حسب مقاساته الدرامية بكتابة أخرى أمام الكاميرا وذلك بتشطيب وإضافة وحذف الكثير من الجمل والمواقف غير الملائمة للشخصية أو بالأحرى غير المناسبة للممثل بحد ذاته حيث سيعمل عبد المنعم عمايري وقصي خولي وسلاف فواخرجي وباسل خياط على تركيب مايشبه "بينسات" جديدة وأزرار انفعالية أكثر ملاءمة لأدوارهم طالبين من المخرج والكاتب التحلي بالصبر الجميل.
هناك سطوة للنجوم على ما يقدم لهم من سيناريوهات
إذاً هناك سطوة للنجوم على ما يقدم لهم من سيناريوهات لأدائها أمام الكاميرا تعلق الفنانة إلهام إسماعيل.. إنهم ببساطة يكتبون باستمرار أو يكتب لهم في النهاية ستبدو وجوههم الاعتيادية أمام عدسات الكاميرا أقل دماثة وأكثر تناسباً مع عاكسات الضوء أضف إلى ذلك سطوتهم الإنتاجية باعتبار أن بعضهم صار مديراً لشركات إنتاج وهم ينتجون لأنفسهم ويأخذون فيما ينتجون أدوار البطولة المطلقة وعلى الأغلب يتدخلون بأعداد رؤوس الخيل وأجور الكومبارس ونوعية الإطعام لهم ولزملائهم من الممثلين الصاعدين.. عداك عن اختيار مواقع التصوير وحذف عشرات أو مئات المشاهد التي يعتبرونها غير لازمة أومن قبيل الحشو الزائد.
هنا يتدخل المنتج والموزع خالد عساف.. نستطيع أن نقول ان الممثل المنتج والمخرج معا لا يصعب عليه شيء وهو يستطيع من خلال علاقاته الطيبة مع تلفزيونات عربية وإقامة عابرة كضيف شرف لمهرجانات التلفزيون أو السينما أن يسوق أعماله مستعيناً بالدرامي الخفيف والتاريخي كثير العدد والعدة لذلك لا عجب أن تكون أولى مشاهد الجزء الثالث من مسلسل باب الحارة كما يتذكر الجميع عن جنازة أبو عصام عباس النوري في أولى حلقاته للتخلص نهائياً من كتابة الممثل أو ما كان مكتوباً أصلاً للنوري وخاصةً بعد أن كتب هذا الفنان المميز لنفسه دور البطولة المطلقة في مسلسل أولاد القيمرية.