2012/07/04
بسام سفر - تشرين
ربما ستمر سنوات طويلة لالتقاط فكرة مناسبة مثل فكرة فيلم «طعم الليمون» للمخرج نضال سيجري عن فكرة المخرج حاتم علي، سيناريو وحوار رافي وهبة وبطولة حسن عويتي، نادرة عمران، أمل عرفة، جواد الشكرجي، جمال العلي، عبد الرحمن أبو القاسم، سيف سبيعي، ايمان جابر، خالد القيش، محمد حداقي، هاشم غزال، الفرزدق ديوب، والطفلين لاريم ومحمد شنار.
فكرة الفيلم أفسحت المجال واسعاً لقراءة حال العديد من اللاجئين في دمشق على شرف زيارة سفيرة شؤون اللاجئين انجلينا جولي وصديقها براد بيت للاطلاع على شؤون اللاجئين العراقيين في سورية، والتحضير لهذه الزيارة من قبل اللاجئين في منزل «أبو يوسف، حسن عويتي» في حي عشوائي قريب من مخيم للاجئين الفلسطينيين حيث يضم البيت إلى جانب «أبو يوسف» «أم يوسف- نادرة عمران» اللبنانية، و«أبو فارس، جمال العلي» وزوجته «سهام، ايمان الجابر» من حلب، وهو النازح من القنيطرة إثر العدوان الاسرائيلي في العام 1967، و«نجيب، جواد شكرجي» العراقي الذي ذهبت الحروب العراقية بجزء كبير من عقله، وقضى الدواء على ما تبقى منه، و«ليلى، أمل عرفة» العراقية التي ذهب الاحتلال الامريكي للعراق برسالة الدكتوراه في الأدب العربي التي كانت بعنوان «بغداد بين خمرة أبي النواس ودموع السياب»، والشاب الجولاني النحات «خالد القيش» الذي أحب فتاة دمشقية زوجها أهلها لمغترب مقيم في الولايات المتحدة الامريكية.
السياسة في طعم الليمون:
لا نستطيع فرز الجانب السياسي بالفيلم عن الاجتماعي لأنهما متداخلان ومتشابكان فالعمل الإنساني الحياتي الذي يقوم به «أبو يوسف» لتحسين أوضاع اللاجئين الموجودين في منزله هو جانب سياسي حياتي يتعلق بالحياة اليومية للاجئين والنازحين، لكن جاره وصديقه في الحارة «عبد الرحمن أبو القاسم- أبو سماعين» يظهر هذا الجانب بوضوح كبير، إذ إنه يرفض زيارة انجلينا جولي لأنه يعد كل الطلبات التي ستقدم لها لتحسين حياة اللاجئين على حساب مطالبهم السياسية الأساسية في العودة إلى فلسطين التاريخية المحتلة منذ العام 1948 ولهذا السبب تقع المعركة بين «أبو سماعين وأبو يوسف» عند الحديث عن زيارة انجلينا جولي إلى منزله حيث يتهمه أبو سماعين بأنه نسي أرضه ومنزله في فلسطين في عكا، وأصبح يعطي شهادات حسن السلوك للامريكان على أنهم انسانيون بينما دعمهم للاسرائيليين واضح جداً, وأنه بهذا الفعل يتقرب من الأنروا والقيادات العليا. ويرد عليه «أبو يوسف» أن اتفاقية أوسلو هي التي أوصلته إلى هذه الحالة لأنها لم تراعِ أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وإنما قدمت عليهم العائدين إلى مناطق السلطة الفلسطينية واستقرار هذه السلطة لتقديم الخدمات لسكان المدن في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويرد عليه «أبو سماعين» أن ذلك لا يبيح له ولغيره ليطلب المساعدة في انجلينا جولي في طلب تحسين الخدمات للاجئين إذ يقول: «صار همنا في الكهرباء والماء والصرف الصحي بدل أن يكون همنا في العودة إلى بيوتنا في فلسطين». لذلك يتهمه بالسكوت على مخططات توطين اللاجئين، لكن «أبو يوسف» يؤكد له أنه «مو طالع معه أحسن من هذا الفعل»، وهنا تقع المعركة بين الجارين ويتدخل أهل الحارة لإصلاح ذات البين بينهما وعندها يرفض أبو يوسف شرب كأس الشاي من يد جاره إذ لم يقبّل رأسه ويعتذر وبالفعل يعتذر «أبو سماعين» من جاره وصديق عمره في الحي ويشرب أبو يوسف كأس الشاي.
ويتبدى القول السياسي في الفيلم عبر شخصية نجيب العراقي الذي يحمل صورة الرئيس العراقي صدام حسين وعلى الوجه الآخر للافتة صورة جورج بوش الابن وبهذا الفعل يصبح الاثنان وجهين للافته واحدة هي خراب العراق، ويتعمق هذا القول في المقبرة عندما يقرأ الشيخ الآيات القرآنية حين دفن جثمان «أبو سماعين» حيث يهبط نجيب إلى ذات القبر ويطلب دفنه مع جثمان «أبو سماعين» وهو يخطب في المشيعين قصيدة «بدر شاكر السياب» مطر.. مطر.. ويختم نجيب القصيدة بالقول: «ما مر عام والعراق ليس فيه جوع.. ما مر عام والعراق ليس في دم.. ما مر عام والعراق ليس فيه جوع» ويضاف إلى ذلك الاجتماع النهائي للتحضير واختبار جاهزية كل واحد من الأفراد المقيمين في المنزل حيث يضع الشاب الجولاني أعلام البلدان الأربعة: سورية، والعراق وفلسطين ولبنان، في إشارة إلى كتلة جغرافية واحدة، وإنسانية جمعت البلدان الأربعة في بيت واحد وحتى مصير حياتي آني واحد. في هذا الاجتماع يخطب «أبو يوسف» في الجميع موقفه السياسي، وأيضاً يقول نجيب ألمه العراقي من دون توقف، وهكذا يظهر الألم الفلسطيني والعراقي بذات الوقت مشوشاً كلاً منهما على الآخر، بينما كانت الطفلة تحاول استرجاع جدها صاحب مفتاح بيته في فلسطين التاريخية وتدفع حياتها مقابلة هذه المحاولة.. وبقي مشهد النهاية الكبير الذي يغلق محمد حداقي والد الفتاة بابه دون الاكتراث بما سيحدث وهو السياسي الذي تقلب ما بين الشيوعية والظاهرة الإسلامية السياسية بينما جميع سكان الحي يركضون لاستقبال المخلصة انجلينا جولي التي تمر بهم بسيارتها البيضاء الفارهة محطمة كل آمالهم في تحسين ظروفهم وشروط حياتهم في هذا الحي العشوائي.
أخيراً تمر المفاهيم والمقولات السياسية في الفيلم رشيقة على شفاه الممثلين دون خطابية ومباشرة فجة، وإنما خفيفة الظل كخفة ظل الأطفال في هذا الفيلم على عكس الكثير من الشعاراتية الفجة في أفلام وأعمال درامية أخرى، فتحية إلى الفنان نضال سيجري والكاتب رافي وهبة على هذه الجرعة السياسية العالية بقالب إنساني فعال.