2013/05/29
جوان جان – تشرين
لا شك في أن أسباباً متعددة تقف خلف لجوء بعض المجتمعات والدول إلى حجب أقنية فضائية محددة عن شعوبها، إذا امتلكت طبعاً هذه المجتمعات والشعوب الوسائل التقنية التي تمكّنها من اتخاذ إجراءات كهذه
قد تبدو غريبة للوهلة الأولى في عصر تكاثرت فيه الدعوات إلى (الانفتاح) الإعلامي وعدم حجب المعلومات مهما كانت الدواعي والأسباب، وهي دعوات أصبح الجميع يدرك أنها ذات اتجاه واحد، أي أنها تُستَخدَم عند الحاجة إليها، ويتم غض الطرف عنها عندما تدعو الحاجة إلى تجاوزها أو إهمالها. وإذا حاولنا أن نبحث عن الأسباب التي تدفع البعض اليوم إلى انتهاج هذا الأسلوب الذي يحدّ من حرية تنقّل المتلقّي بين القنوات المختلفة نجد أنها أسباب قد تبدو وجيهة في نظر الكثيرين لأن هذا الحجب من شأنه أن يحصّن المجتمعات من كل ما يمكن أن يلحق الأذى بها وبنسيجها الاجتماعي.
من الناحية التقنية يبدو موضوع الحجب مستحيلاً اليوم في ضوء وجود الصحون اللاقطة التي لا تحدّها حدود نظراً لقدرتها على استقبال مئات الأقنية التلفزيونية، إلا أننا ينبغي ألا ننسى هنا أن الكثير من الدول اتخذت إجراءات احترازية منذ أن بدأ البث الفضائي يغزو بيوت العالم، إذ اعتمدت بعض الدول على ما يسمى بنظام الكيبل وهو نظام لا يتيح سوى استقبال عدد محدود من المحطات مقابل رسم دوريّ، لذلك يبدو الانفتاح الإعلامي الذي نعرفه في سورية اليوم لجهة إمكانية استقبال أعداد لا متناهية من الفضائيات مستغرباً في كثير من المجتمعات التي مازالت تشاهد التلفزيون بالتقنين وحسب الإمكانات المادية للمشاهد التلفزيوني في هذا البلد أو ذاك. وفي ضوء ذلك أخذ الكثير من الدول تحدد لمواطنيها المحطات المسموح بمتابعتها، وتلك التي لا تمكن لهم مشاهدتها حسب مقاييس هذا البلد أو ذاك. ولسنا هنا بصدد مناقشة شرعية هذا التصرّف بقدر ما نحن بصدد الحديث عن إجراء قامت به الهند مؤخراً، إذ اتخذت إجراءات لمنع بعض الفضائيات من البث للجمهور الهندي ومنها الفضائية السعودية الرسمية وبعض الفضائيات السعودية الأخرى، والحجّة في ذلك حسب الهنود أن هذه الفضائيات لا تقدم شيئاً للمشاهد الهندي، لكن هذه الحجّة دحضها كثيرون ممّن هم على اطلاع على خفايا هذا القرار، إذ يشيرون إلى أن الهند لمست- قبل كثير من الدول العربية- مدى ما تقدمّه الفضائيات السعودية الرسمية والخاصة من وجبات التحريض الرخيص والدعوة إلى تحلل المجتمعات وتفسّخها من خلال تأليب بعضها على بعضها الآخر وبثّ الأفكار التي تعتمد على الدجل والخرافات، وعلى الرغم من أن معظم الشعب الهندي لا يتقن العربية لكن الهند أحسّت بمدى خطورة ما يبثه الإعلام الفضائي السعودي من سموم يغلّفها بطبقة لا تخفى على أحد من الدسم المغشوش بحد ذاته.
ناقد فني هندي أشار في معرض تعليقه على هذا الموضوع إلى أن بعض المجتمعات الهندية الفقيرة أخذت تتأثر مؤخراً بما تبثّه الفضائيات السعودية من دعوات مفضوحة لانتهاج العنف كمبدأ وسلوك حياتي يوميّ واعتيادي، حيث أخذت ظاهرة العنف المجتمعي تتفشى في بعض المناطق في الهند وخاصة تجاه النساء والأطفال، ليتبيّن أن السبب الأساس الذي يقف وراء تفشّي هذا العنف هو ما تبثّه فضائيات سعودية باللغة الإنكليزية التي يتقنها الهنود كإتقانهم للغتهم الأم من برامج تهدف إلى تفتيت تلك المجتمعات من خلال بثّ أفكار غريبة عنها وعن تقاليدها وقيمها الأخلاقية ونسيجها الاجتماعي فما كان من القائمين على شؤون الإعلام في الهند إلا حجب هذه الأقنية ومنع وصولها إلى المواطن الهندي البسيط بساطة المواطن في شتى أصقاع العالم الثالث الذي يتأثّر بسرعة مذهلة بكل ما هو غريب عنه وعن المبادئ التي تربّى عليها. فإذا كانت الهند قد قامت بإجراء احترازي أنقذت فيه شعبها من براثن الغول الإعلامي السعودي الذي يريد أن يبتلع كل شيء وأن يشوه كل ما هو جميل في أوطاننا فمن الذي سينقذ الشعوب العربية من هذا الوحش الدموي الذي يتزيّا بزيّ الإعلام ولا يسوؤه أن يطلق يد أكثر من ثلاثين فضائية لا همّ لها إلا تدمير المواطن العربي وشلّ تفكيره وسلبه القدرة حتى على إعمال العقل في تفاصيل حياته اليومية، هذا العقل الذي وهبنا الله إياه وها نحن نفرّط به ونحوّله إلى مجرد كتلة جسدية فائضة عن الحاجة.