2016/06/28
وسام كنعان_الأخبار
قبل حوالي 4500 سنة قبل الميلاد، عرف الإنسان القديم، فنّ النحت على الصخور. لاحقاً، احترفه على المعادن والسيراميك والخشب، ليتطور لاحقاً ويصبح واحداً من الفنون المرئية والتشكيلية التي ترتكز إلى إنشاء مجسّمات ثلاثية الأبعاد.
لكن حتى الآن، لم يسمع أحد بفن النحت على الشاشة الصغيرة! تلك صارت حرفة الممثلين السوريين وميزتهم التي جعلتهم يغزون فضاء العالم العربي ويصل بعضهم إلى هوليوود، فيما ذهب آخرون نحو تبديد سمعتهم بمسلسلات سخيفة مثل «جريمة شغف» (نور شيشكلي ووليد ناصيف) و «ياريت» (كلوديا مارشيليان وفيليب أسمر) أو مسروقة مثل «نص يوم» (باسم السلكا وسامر البرقاوي»!
مع ذلك، يطل سلّوم حداد وهو واحد من قدامى النحّاتين في الدراما السورية بلوحة فنية اسمها «أبو عبدو الغول» في مسلسل «الندم». حتماً، سيضع «أبو أمير» كلّ ما قدّمه هذا العام على الرف، علماً أنه لعب مجموعة كبيرة من البطولات في: «خاتون» (طلال مارديني وتامر اسحق ـ mtv)، و «صدر الباز» (تأليف رامي المدني وبتول الورد وإخراج تامر اسحق ــ «المنار»)، و «زوال» (تأليف يحيى بيازي وزكي مارديني وإخراج أحمد إبراهيم أحمد ـ «سوريا دراما»)، وسباعيات «عابرو الضباب» (تأليف إخراج يزن أبو حمدة)، وخماسيّات «وجع الصمت» (mtv) فكل تلك الأدوار لا تعني شيئاً، ولا تشكّل ثقلاً نوعياً، أو تصنع مجداً مضافاً إلى سيرة «الزير سالم» (ممدوح عدوان وحاتم علي). لذا كان حرّياً بالنجم السوري العريق أن يعتذر عن كلّ ما سبق، ويتفرغ لصالح نحته لبطولة «الندم» (حسن سامي يوسف والليث حجو)
إذا كان النحت بمفهومه الحديث قد تخلى عن التقليدية في التركيز على تصوير جسد الإنسان، وراح يهتم بالنحت التركيبي، فإن حداد يظهر في دوره كأنه تخطى كل ما يعرفه من قواعد فنّ التمثيل، وقرر أن يصنع بطريقة مركبة، وفكر مختلف، ومزاج محلّق، شخصية «أبوعبدو الغول» التي سيتذكرّها حدّاد طويلاً. وقد مرّت في مرحلتين الأولى هي جبروت حوت تجارة اللحوم، وصاحب النرجسية الواسعة، والديكتاتور الصلب، والصوت المجلجل الذي لا يخبو حتى في وجه «المخابرات»، ومن ثم انحداره إلى درك رجل مسن، مكسور يفقد تدريجاً قوته، وتفلت من بين أصابعه خيوط اللعبة، ويمضي إلى نهايته مستسلماً كونه عجوزاً لم يعد يحمل من سطوته شيئاً.
هكذا، تتكاتف ظروف عدة لصالح نجم الموسم الرمضاني، منها ورق حسن سامي يوسف، وعدسة الليث حجو وذكاء ماكياج ردينة ثابت سويدان، لتكون مكمّلات لأداء مترف بالشغل على التفاصيل. نذكر هنا مشهد تحدّي الرجل للأمن وصراخه في وجه أحد العناصر الذين يقتحمون بيت صهره ليعتقلوه بذريعة التهم المعتادة مثل «وهن نفسية الأمن وإضعاف الشعور القومي» فيجابه بإهانة عابرة، لكن بطريقة تكثّف حيزاً واسعاً من تاريخ الظلم الذي تعرّض له السوريون.
ثم يتصاعد أداء «الغول» مع تدهور حالته وتقدمه في السن وانقلاباته الجذرية إثر رحيل زوجته وسنده. يبدأ اللعب في مساحات خاصة وتفرّد تام، كأن الممثل الستيني امتلك على غفلة آلة الزمن، فسافر عشرين عاماً إلى الأمام، ودرس كيف تكون علامات الشيخوخة وأمراضها ثم عاد ليجسّدها باتقان عال. هنا يقف في مواجهة ابنه «العاق» عبدو (باسم ياخور) محاولاً صفعه لإيقاف وقاحته عند حّدها، فيمنعه الابن، ويتركه باكياً متأثراً بعجزه. ثم يختصر نجم «عنترة» (غسّان زكريا ورامي حنا) شريطاً واقعياً صادماً من حياة غالبية الرجال ذوي العزّ الذين لم تحالفهم شدّة البأس على طول العمر عندما يمنح مكرهاً إدارة كل أملاكه ثم يطلب «فتة كعك بحليب» يتناولها من يد ابنته الطبيبة ندى (تجسدّها ببراعة رنا كرم) يدندن أبو عبدو هنا أغنية «يا أم العباية»، ويحرك بعكّازه بينما لا تتوقف يده عن الارتجاف الذي يرافق كبار السن.
ثم يبدأ بتناول وجبته المفضلة، فتطلب الفتاة مهلة لتضع له مريوله، قبل أن تدرك بأنه لن يتمكّن من تناول طعامه بنفسه. مشهد يختزل فيه حدّاد ملامح أساسية من بيوت مشاهديه.
«أبو عبدو الغول» أعاد سلّوم حداد إلى واجهة المشهد السوري، بعدما كان شبه تائه بين كثبان الرمال الصحراوية المتحركة!