2012/07/04
عهـد صبيحـة
تصادفُ، في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير الحالي، الذكرى التاسعة والستين لميلاد الفنانة الراحلة سعاد حسني، وربما كان غريباً –في نظر البعض- الاحتفال بميلاد فنان راحل عن دنيانا، لكن الميلاد، برأيي، هو المناسبة الأصدق والحقيقية للحديث عن فنانة كانت ولا تزال أيقونةَ السينما العربية بوجهها (الضاحك-الباكي) الوحيد، ربما، كرمز للفن الخالد.
وسعاد حسني، ابنة الخطاط الشهير محمد حسني البابا ذي الأصول الشامية والأختُ غير الشقيقة للمطربة نجاة الصغيرة، ولدت في القاهرة في 26 كانون الثاني/يناير 1942 وتوفيت في لندن في 21 حزيران/يونيو 2001 (بعد أن سقطت من على شرفتها في ظروف لا تزال غامضة)، قدمت للشاشة اثنين وثمانين فيلماً كان أولها "حسن ونعيمة" (1959) وآخرها "الراعي والنساء" (1991)، بالإضافة إلى عشر حلقات تلفزيونية بعنوان "هو وهي" أمام الراحل أحمد زكي في العام 1985 وأربعة مسلسلات إذاعية وتجربتين مسرحيتين غير مكتملتين لمسرحية "هاملت" شكسبير ومسرحية "في سبيل الحرية" جمال عبد الناصر، وبين أول أفلامها وآخرهم قصة أخرى عن عطاء لم ينضب، ولن تستطيع مقالة ولا حتى كتب إيفاءها حقها من الشرح، لكنني في العجالة القادمة أقدم عناوين فقط لهذه القصة.
بعمر لم يتجاوز السابعة عشرة فتحت سعاد حسني بأدائها لدور نعيمة في فيلم "حسن ونعيمة" أمام المخرج بركات في العام 1959، الطريقَ لشخصية المرأة الجديدة تماماً في السينما العربية، هذه الشخصية كانت، قبل هذا الدور، تتخبط بين المرأة الارستقراطية السلبية المغناج السطحية وبين المرأة الفلاحة المستكينة المغلوب على أمرها. في هذا الفيلم انتصرت إرادة الفلاحة على التقاليد والقوانين الراسخة، وهذا الانتصار للمرأة وافقَ النزعة التي رافقت ثورة مصر باتجاه المرأة الجديدة ومعه بدأت سلسلة من الأدوار المشابهة المعبرة عن آمال جيل من النساء.
لم يقتصر الأمر على الثورة في طبيعة الشخصية المقدَّمة بل رافقه رقي في الأداء متميز بصدق وعفوية وإحساس بدواخل الشخصية لم تسبقها إليه أية ممثلة أخرى بعد زمن فني غلب عليه الأداء الخارجي البارد للشخصيات النسائية. بعد ذلك سطّرت سعاد حسني بأفلام أهمها "غروب وشروق" و"القاهرة 30" و"خلي بالك من زوزو" و"أميرة حبي أنا" و"الكرنك" و"أهل القمة" تفاصيل حلم الثورة وحلم الهزيمة والانفتاح في مصر الحديثة.
أدارَ أفلامَ سعاد حسني سبعةٌ وثلاثون مخرجاً، قدمت أمامهم مختلف أنواع الشخصية الدرامية؛ من الشخصية الثابتة إلى الشخصية المركبة المعقدة، وأشير هنا، للمثال فقط، إلى أدوارها المركبة في أفلام: "ناديا" بأدائها لدوري أختين توأم متشابهتين في الشكل متناقضتين في الطباع بشكل حاد، و"بئر الحرمان" بأدائها لدور فتاة هادئة متزنة تتحول ليلاً إلى فتاة سيئة مبتذلة، و"زوجتي والكلب" بأدائها لدور الزوجة الوفية لزوجها في الحقيقة واللعوب الخائنة في مخيلة زميل زوجها.
وبعيداً عن التراجيديا، تفرّدت سعاد حسني في الأداء الاستعراضي (غناء ورقصاً) فغنت في أفلامها "صغيرة على الحب" و"الزواج على الطريقة الحديثة" و"حلوة وشقية" و"خلي بالك من زوزو" و"أميرة حبي أنا" من ألحان كبار الملحنين أمثال محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي وسيد مكاوي، ولا ننسى تجربتها الاستعراضية التلفزيونية الرائعة "هو وهي" مع الشاعر صلاح جاهين والملحن عمار الشريعي.
في نهاية فيلم "موعد على العشاء" تتناول نوال لقمة تلو الأخرى من طبخة (المسقعة) المسمومة، تمضغها بهدوء بينما تركز نظرها على عزت (حسين فهمي) وتقول له أخيراً: «غلبْتَـنِي». وأنا أشاهدُ ذلك الحزن الخفي فيّ عينيها، تتسلل دمعة مخنوقة إلى وجنتي وأصرخ: «لقد غلبـتِـنَا جميعاً.. يا سعاد حسني»