2012/07/04
مصطفى علوش - تشرين
مرة أخرى نعود إلى خشبة مسرح القباني لنتابع عرضاً مسرحياً (مونودراما) من إنجاز المسرحي زيناتي قدسية، عنوانه: (أبو شنّار)، و يبدو أن العتمة التقليدية التي تبدأ بها العروض، كانت خير بداية لعرض يتحدث عن القضية الفلسطينية، فالسواد أفضل تعبير عن الأسى والحزن العام، أبو شنار الذي يحكي لنا قصة لقائه بعدد من الصحفيين، يحكي أيضاً قصته الفردية التي تمثل قضية فلسطين، والجميل أن هذه القصة يبدؤها من حلم عاشه، ويستمر في سرده طيلة العرض، ويختلط الواقع بالحلم، وفي محطات كثيرة يعيدنا أبو شنار إلى تلك اللحظات الطازجة التي عاشها وهو يقاوم الصهاينة، يحكي لنا كيف دفن رفاقه ال19، وكيف يحمل مفتاح بيته في قريته (إجزم) ويأمل بالعودة ولو بالحلم.
العاطفة معبرة
زيناتي قدسية، هذا العاشق العتيق للمسرح، الذي بقي طيلة العرض جالساً، لنكتشف لاحقاً أنه أصيب بالشلل منذ أيام إعلان اتفاق أوسلو، الشلل هنا كان تعبيراً عن هذا الانفصال بين القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، قدسية أخذنا إلى حيث أراد من التعبير العاطفي، ومن خلال الحلم حاور أبو شنار (هاريدي) المصري الذي قرر أن يأخذ قسطاً من الراحة فوق الغيوم، والحدود العربية أزيلت عبر الحلم أيضاً، ووصل الأمر بهذا الفلسطيني الحالم أنه وصل إلى القطب الشمالي، وهناك نكتشف أنه وضع في (البقجة) الميثاق الفلسطيني، كأن الفلسطيني لا يستريح مهما رحل.
أبو شنار هو المواطن الفلسطيني البسيط الذي لم يتاجر بقضيته ولم يكذب، وحين يروي حلمه، قصته، التي هي كما قلنا قصة كل فلسطين، فإننا نصدقه، لأنه ينجح في الوصول إلى أرواحنا، فرائحة فلسطين تكاد تفوح من الخشبة وهو يحكي ويروي، وتلك الذاكرة الغنية العامرة بالحب والأحداث فإنها تأخذنا إلى حيث تريد، فنكاد نعيش مع كل فلسطيني من خلال أبو شنار هذا الرجل الطيب الطاهر الشريف الذي فقد ابنه، ويأتيه شيخ في الحلم ليقول له أن ابنه يعيش في عمان، أقنعنا هذا الرجل أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية، فالحلم بالوحدة العربية هو جذوة الحلم الشخصي الذي عاشه أبو شنار، و العلم العربي كان مزروعاً فوق جبل المكبر في فلسطين.
محاكاة الروح
ميزة المسرح أنه يحاكي الروح مباشرة فلا حواجز بين المتفرج والممثل، وقدسية هذا العربي الفلسطيني الذي أمضى حياته في خدمة المسرح أقنعنا أنه كان أبو شنار، بروحه وجوهره الأصيل، أبو شنار الذي أعاد الروح للاءات الثلاث: لاصلح، لاتفاوض، لااعتراف إنها الذاكرة النضالية التي لم تبع في أسواق السياسة الرسمية العربية.
على صعيد الأداء بقيت خيوط التشويق بيد قدسية رغم أنها كانت في لحظات معينة تحتاج إلى شدّ لاسيما حين يطول السرد وينسى أبو شنار أن هناك ضيوفاً، وزين هذا الأداء تلك الموسيقا الفلسطينية التي جعلتنا نشم رائحة فلسطين من خلالها، كما انتبه قدسية إلى ضرورة تطعيم العرض ببعض اللحظات الصاخبة المبررة مسرحياً.
وبقي صوت أبو شنار يتناغم مع اللحظة الانفعالية التي عاشتها الشخصية، فلا صخب صوتي زائد ولاهدوء مبالغ فيه، إنما كنا أمام أداء مسرحي مقنع، متناغم مع طبيعة الموضوع الحار والساخن.
بطاقة العمل
الفنان زيناتي قدسية هو مؤلف ومخرج وبطل هذه المونودراما المسرحية، وسانده فنياً، ديكور: موسى هزيم، إضاءة: بسام حميدي، موسيقا وتعاون فني: قصي قدسية، مكياج: هناء برماوي، منصة: أحمد السماحي، تنفيذ إضاءة: عماد حنوش، تنفيذ الصوت: شادي ريا، مخرج مساعد: كميل أبو صعب.
نسينا أن نتحدث عن الجمهور القليل الذي حضر العرض في اليوم الثاني، هذا الحضورالذي رآه قدسية كبيراً، ويبدو أن المسرح يتعب حين تعيش البلاد ظروفاً معينة. بكل حال مونودراما (أبو شنار) يستحق المشاهدة والمتابعة، فلتلتفت إليه القنوات الرسمية والخاصة، وليلتفت إليه الجمهور لأنه عرض جميل.