2013/05/29
نور ابو فراج – السفير
اختار زياد الرحباني تكثيف إطلالاته الإعلامية بعد انقطاع طويل منذ اللقاء مع قناة «المنار» العام 2009. اكتسبت تلك اللقاءات أهمية استثنائية في ظلّ استئناف زياد الرحباني كتابة زاويته «مانفيستو» في جريدة «الأخبار»، ضمن ظرفٍ سياسي متقلب وساخن بعد انتفاضات «الربيع العربي». عادت لقاءات زياد الرحباني الإعلاميّة لتطرح التساؤلات حول دور الفنانين ومواقفهم مما يحصل في المنطقة.
الجميع كان مهتماً بمعرفة ما لدى صاحب «شي فاشل» كي يقوله اليوم. يشكّل زياد الرحباني تحدياً صعباً للمحاورين والصحافيين، بسبب طبعه الساخر، وقدرته في اللعب على الكلام، والانتقال بسرعة من فكرة إلى أخرى. هذا ما وضع محاوريه، ممن اعتمدوا الأسلوب التقليدي، والمحاور المعدّة الثابتة، في موقف حرج. إلا أن «التداعي الحر» الذي يسم أسلوب زياد الرحباني في الحديث كان المَخرج الوحيد من الملل، خصوصاً أنّ معظم الأسئلة تكرّرت بين اللقاء والآخر، مثل السؤال عن علاقته بوالديه وتفاصيل طفولته، وابتعاده بفيروز عن صورتها التقليدية، والتجديد الذي حمله إلى الموسيقى العربية، وموقفه من حزب الله ومن النظام السوري مؤخراً... كلّ ذلك كان سيجعل المقابلات نسخاً عن بعضها البعض، لولا استطرادات وإضافات زياد، إذ يكفي فقط استعراض كم مرّة صحَّح الرحباني مصطلح «الجاز الشرقي»، معلناً براءته منه.
في مقابلته الأخيرة مع رابعة الزيّات، إلى جانب مايا دياب ومنال سمعان، طغى الشأن اللبناني على اللقاء، مع التركيز على التعاون الفنيّ بين الرحباني ودياب. وحاولت الزيات إضفاء جوٍّ من المرح على الجلسة، من خلال لعبة مساعدة زياد الرحباني في اختيار زوجة مستقبلية، من دون أن تنجح في ذلك. إلا أنَّ المقابلات التي أجريت في مصر كان لها نكهتها الخاصة. على سبيل المثال، استطاع الإعلامي المصري يسري فودة الإيحاء للجمهور بأنّه يجالس الرحباني في أحد مقاهي القاهرة. ليتحوّل الرحباني من ضيف إلى مشارك في جلسة، يعلّق على لويس آرمسترونغ وفرانك سيناترا وأغاني «حرب أكتوبر». وطيلة الحوار، وجّه يسري فودة حديثه للجمهور المصري ــ الذي ظهر بصفته العنصر الأكثر أهمية في اللقاء ــ شارحاً له بعض التفاصيل والخلفيات، بعدما أخذ على عاتقه محاولة «الانتقال من الحديث عن فن الرحباني المعروف لدى المصريين، إلى شخصية زياد التي قد تكون بعض ملامحها خفيَّة بالنسبة للجمهور في مصر».
في المقابل، اختارت منى الشاذلي الابتعاد عن السياسة، فكانت الحلقة مزيجاً من ألحان سيد درويش، وحكايات من كواليس بعض أهمّ أغاني فيروز، مثل «كيفك أنت» و«عودك رنّان»... ورافق كلّ ذلك بعض المقطوعات والألحان التي عزفها الرحباني على البيانو لأوّل مرّة ضمن برنامج تلفزيوني. بدا زياد الرحباني في لقاءاته المصريّة، أكثر استرخاءً وقرباً من الجمهور. لم يمانع في كشف بعض التفاصيل الخاصة عن حياته وطفولته أو صراعاته مع الوحدة. يجرّب تارة الحديث باللكنة المصرية، أو يقع ضحيّة «خفة الدم المصرية» تارةً أخرى.
كلّ ذلك تحوّل مادة للنقاش، وصار عناوين عريضة نقّالة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثلاً: «زياد الرحباني يعلن دعمه للمخابرات السوريّة»، أو على النقيض: «النظام السوري قاتل». هكذا طغى على المشهد انتزاع الكلام ليس من سياق المقابلة فقط، بل من السياق التاريخي والسياسي الخاص بقائله. ليست المرّة الأولى التي تتمّ فيها تجزئة كلام زياد الرحباني، وتأويله. الكثير من العبارات المقتبسة من مسرحياته وبرامجه الإذاعية تحوّلت طريقةً في التعبير لدى شريحة واسعة من الشباب، بشكل تضيع معه المقولة العامة للعمل بأكمله.
إلا أنَّ زياد الرحباني لا يبدو مقيّداً اليوم بتلك التأويلات والاقتطاعات، بل يظهر مصمماً أكثر من أي وقت مضى على إعلان آرائه والدفاع عنها، ما يفسّر ربما ظهوره الإعلامي المكثّف، ويشير إلى أنّ الأيام المقبلة، ستحمل ربما المزيد من البوح والتداعيات الحرة.