2013/05/29
مارلين سلوم – دار الخليج
اليوم يصادف ذكرى رحيلها السادس والعشرين . في عالمنا العربي نكاد لا نتذكرها، رغم أننا نتباهى بأنها ولدت في مصر .
رغم شهرتها العالمية، بقي الحنين يشدها نحو النيل والأرض السمراء، فعادت إليها وهي على قمة الشهرة . أبت إلا أن تغني بلهجتها، وتقتحم عالم السينما لأول مرة من أجل مصر، واستجابة لرغبة المخرج الكبير يوسف شاهين، قدمت معه “اليوم السادس”، واسترسلت في الغناء لمعظم المدن والمحافظات المصرية في كوكتيل مميز، يشاهده الناس اليوم عبر اليوتيوب ويتبادلونه عبر “الفيس بوك” .
إنها داليدا ذات الملامح الإيطالية الجميلة واللكنة البارزة . تلك التي ولدت في شبرا، وغنت لها، ولم تتنكر لأرضها يوماً . ليس غريباً أن ننساها، ولا نحيي ذكرى مولدها أو رحيلها، لأننا نمر بزمن “الزهايمر” المتعمد، فنغيّب عقولنا، ونستسلم لكلمة السلاح والسياسة والصراعات، فيمر عبد الحليم ومعه أحمد زكي وقبلهما أم كلثوم وعبد الوهاب، وبعدهم داليدا، كأننا لا نعرفهم، وكأنهم لم يمروا من أرض النيل ولم نسمع بهم من قبل .
فرنسا تحتفل كل عام بذكرى داليدا، لماذا وهي إيطالية - مصرية لا عرق فرنسي في دمائها؟ فقط لأن فرنسا أحبت داليدا وآمنت بموهبتها واحتضنتها طويلاً وهي على قيد الحياة، ثم احتضنتها وهي تحت التراب في مقبرة المشاهير في حي مونمارتر، حيث أقيم لها لاحقاً تمثال بطولها الحقيقي . كذلك وضعت صورتها على طابع بريدي .
الدولة الغربية تحتفي بداليدا وتعيد الإذاعات على مسامع الناس أجمل أغانيها، فماذا نسمع نحن؟ داليدا تركت أغنيات باللهجة المصرية، فماذا فعلنا بها؟ لم يكرمها أحد، ولا يحيي ذكراها حتى أهل الغناء، فهل عرف المصريون “استغلال” حبها لبلدهم وغنائها له للترويج لبلدهم وإبراز مدى جماله وعمق حضارته وتشجيع الأجانب على “حب مصر” من خلال صوت داليدا؟
داليدا لا يشبهها أي صوت، ولا تلتقي مع أشهر المغنيات في العالم سوى في نقطة “اللاتشابه”، حيث تشعر بأن كل منهن حالة فريدة لا تتكرر بالصوت والخامة والأداء، وهن مميزات فعلاً وأعمالهن خالدة سواء كن من عداد الأحياء أو الأموات . “لا أحد يشبه فيروز وأم كلثوم” من حيث خامة الصوت والأداء، ولا أحد يشبه داليدا ويمكنك معرفة أغنياتها من بين الملايين . تميزت بثقافتها وبجديتها وحرصها الشديد على كل تفاصيل أعمالها . غنت بتسع لغات، وكانت أول من قدم الأغاني بطريقة الفيديو كليب . أكثر من 125 مليون أسطوانة بيعت خلال حياتها، وقد تجاوزت الثمانية ملايين اسطوانة بعد مماتها .
“بلدي يا بلدي أنا بدي أروح بلدي” . . . “كلمة حلوة وكلمتين حلوة يا بلدي” . . غنت للبلد كابنة بلد أصيلة فجعلت الناس يغنون “بلد المواويل وبرج الزغاليل” في كوكتيل “أحسن ناس” .
من لم يعرف مصر من قبل عشقها من أغاني داليدا ورددها بلكنتها .
* * *
الصوت الجميل يناديك . الموهبة تفرض ذاتها على الجميع ويصفق لها كل الكبار .
قد تتخطى موهبة المتسابق وقدراته الصوتية، قدرات كثير من أعضاء لجان التحكيم الجالسين أمامه خلف منصة برامج اكتشاف المواهب، وتراهم لا يملكون سوى التصفيق له وإبداء إعجابهم و”انبهارهم” به .
من هؤلاء “الموهوبين بقوة”، نسمة محجوب التي خرجت من برنامج “ستار أكاديمي” نجمة، لتجد نفسها تتخبط في عالم الغناء، لا سند لها سوى أسرتها ووالدها المخرج والمنتج علاء محجوب الذي كان حريصاً على دعمها، فأنتج لها أول ألبوماتها “هتقولي إيه” .
صوت نسمة تتخيله آت من زمن عتيق، يوم كانت الأصالة في كل شيء، وكان النقاء في كل شيء . صوت واضح وقوي، وفتاة جريئة في الأداء ولا تخاف أن تعطي لإمكاناتها حريتها وكل المدى لتنطلق وتعلو وتهبط كيفما تشاء . تميل إلى الطرب كثيراً، وتنجح في الأغاني الشبابية إن أرادت أن تقدم أغنية قريبة من جيلها، خصوصاً أنها قدمت أغنية بالإنجليزية في الألبوم، وصوتها يذكرك بالمغنيات الأجنبيات، فتراها في أداء قريب من ويتني هيوستن مثلاً .
نسمة محجوب تحدت السوق و”تجار” الغناء، وقدمت نفسها بنفسها، مع أن موهبتها كما قلنا كفيلة بجذب المنتجين والملحنين والكتاب إليها، واشتراكها في برنامج لاكتشاف المواهب، كان الخطوة الأولى التي أطلت من خلالها على ملايين الناس، وحققت لها أولى خيوط الشهرة . لكن يبدو أن هذه البرامج تبقى مجرد خطوة ناقصة، لا تتلوها خطوات حقيقية تساهم في دعم المواهب التي تستحق الشهرة، علماً أن العالم العربي يحتاج إلى هؤلاء الموهوبين، شرط أن يرافقهم موهوبون في التلحين والكتابة .