2013/05/29
سامر محمد إسماعيل – تشرين
لا يمكن عد برنامج «رقص النجوم» الذي تعرضه فضائية«mtv اللبنانية» مجرد ترفيه عابر، فالصورة هنا تتخطى سماتها الأولية،
نحو إنجاز مصادرة للذوق العربي، هنا تتم برمجة من نوع آخر، برمجة قادرة على استنساخ وعي بديل للمشاهد العربي، ليس استنساخ برامج أمريكية لطالما كانت شبكة الـ mbc السعودية سباقة إلى نقلها إلى فضاء الفرجة العربية، بل في هذا التحدي المريب لمخيلة جمعية عاشت طوال عمرها على لقطات القُبل الخلبية، فعلى فظاظة هذه اللقطات وقلة ذوقها، وسوء تنفيذها، تعود الرقابة العربية اليوم لتحذف هناك ما يمكن تسميته بالملامسات الأولى للمخيلة، لكنها في الوقت ذاته في برنامج مثل «رقص النجوم» تعطل كل المحظورات، فالمطلوب ليست القبل البريئة في أفلام محمود ياسين وبوسي وفاتن حمامة وعبد الحليم حافظ، المطلوب ها هنا هو القضاء المبرم على فكرة الرقص وتسليعها نفطياً لمصلحة شراهة الفضائيات وجماهيرها التي تمور وتفور بعد تعرضها لجرعات زائدة من مشروبات الطاقة، ومنكهات القتل العلني.
إن النسخة العربية من «dancing with the stars» ليست سوى تعميم أمريكي جديد على قنوات العرب الغارقة هي الأخرى في تطبيع ثقافي عجيب من نوعه، فالتصويت على الراقصين المتسابقين مسبق الدفع من جيوب المشاهدين، وعلى هؤلاء أن يكونوا لحظة بلحظة مع الحدث الراقص، والحدث هنا ليس عربياً، إطلاقاً، فالرقصات المُقدمة في البرنامج ليست «دبكة لبنان» ولا يمكن لهذا النوع أن يكون فناً في «رقص النجوم» فالمجد كل المجد للهيب الهوب والبريك دانس والسالسا، مع تنويعة فلامينكو وتانغو وقليل من الفالس، وهذا جميعه يدخل في الاستعراض الباهر عبر استوديو يلعلع بأضوائه ونسائه وغلمانه وهم ينشدون صيحة شامان هذه التقليعة «الإمنم» صارخاً: «سوري مام-sory mam» آسف ماما كان لابد من ذلك! هذه الصيحات الجديدة ليست غزواً ثقافياً فحسب بل تنميطاً مركزاً لصياغة أجيال لا علاقة لها بموروثها الحضاري، ولا يمكن لها أن تعد رقصها الشعبي فناً، فالرقص يأتي في هذا السياق رقصاً أمريكياً بامتياز، ووفق قالب البرنامج الأكثر شهرة في عالم الاستهلاك المطلق لكل شيء، وكما نجحت برامج تم استنساخها عن مسابقات الغناء الأمريكي وإلزامية التصويت للمشتركين، يتم استقطاب الرقص كفن أكثر ديناميكية، وطبعاً على هوى العم سام، فإعلان النتائج مرفق دائماً مع نبضات قلوب المتسابقين، وبنتائج التصويت الجماعية، إذ تلعب شركات الاتصالات لعبتها حتى النهاية لإبرام عقود النجاح والشهرة والمال، وما على الشباب والشابات إلا أن يرددوا جملة «كارلوس» الشخصية الأقل شهرة التي قام الفنان دريد لحام بأدائها قبل أن يشتهر بشخصية «غوار الطوشة» وذلك عندما قال: إلى الرقص أيها الجيل الصاعد!
هكذا يتحقق للإعلام المعاصر رغباته كلها، فبعد برمجة العقل تأتي برمجة الجسد وتصنيعه وتعليبه جيداً، ممهوراً بخاتم الصناعة الأمريكية، ومدبجاً بلهجة لبنانية تم اعتمادها عربياً كلهجة خاصة بلغة الإعلان العربي الحديث، ليست لهجة جوزيف حرب وطلال حيدر في سردية الشعر اللبناني ومحكيته الرحابنية، بل هي الاتفاق ضمناً بين النفط الخليجي واللكنة اللبنانية، بين المال العربي الجاهل وتصدير كباريهات بصرية لاذعة، فالرقص هنا ليس فناً، بل ماركة، «توب موديل» يستحم بإنارة الاستوديو وناره المشتعلة على ميلان الجمهور وعواصف تصفيقه المصنّعة إلكترونياً، والمباحة بأرخص الأسعار وأبخسها، على أن يتم التصويت الحر والديمقراطي مثقلاً بصيحات العولمة ونجاعتها البصرية، من دون الاعتراف بفرق الرقص اللبنانية الأكثر عراقة على شاشة الـmtv ففرق مثل «كركلا» و«فهد العبد الله» ليست رقصاً، بل ليست فناً إذا ما رغبت بالرقص مع النجوم، إنها بلدية ولا تنفع بتاتاً في بانوراما الرقص المشتعل بلهيب الرسائل القصيرة، فصناعة النجم الراقص دخلت إلى عقر دار العرب، ومن أوسع الأبواب، ولا يمكن لأحد أن يقول إن هذا ليس فناً، بل هو في «رقص النجوم» تجارة رائجة ورابحة في آنٍ معاً، تجارة تتلوى على حواف الميديا، فيما تختم بهيفاء وهبي، حسناء الفيديو كليب العربي وسيدة المفاجآت في عالم الأغنية، ومهرجانات الإغواء البصري، ليختتم البرنامج بها، فتهجم هي الأخرى على لجنة التحكيم، موسعةً إياهم قُبلاً وتقبيلا!.