2017/03/30
الأخبار - عبد الرحمن جاسم
لا يختلف اثنان على أنَّ صناعة الدراما السورية تضررت كثيراً خلال الأزمة المستمرة منذ ستة أعوام. الدراما التي وصلت سابقاً لأن تنافس مثيلتها المصرية الرائدة والعريقة، فقدت الكثير من ألقها. لذلك، شاهدنا عدداً كبيراً من المسلسلات التي لا يمكن اعتبارها امتداداً للأعمال الكبيرة التي تعوّد عليها المشاهد ويتوقعها من عملٍ درامي سوري.
إذ ذهبت النصوص القويّة والأداء المتين والكاميرا المتميّزة، وحل مكانها الاستسهال في الأداء، والنصوص غير المسبوكة، وفوق كل هذا الهشاشة في لعبتي الإخراج والتصوير. وفي رمضان الفائت، لم ينج من تلك اللعنة سوى «الندم»، بينما غرقت بقية المسلسلات السورية في لجّة الأخطاء عينها (وإن كان بعضها على الحدود، إذ أنقذ أداء غسان مسعود وسلافة معمار الجّيد مسلسلهما «نبتدي منين الحكاية» رغم سوء السيناريو وسطحية القصّة).
يأتي «شوق» المسلسل السوري الذي تعرضه قناة «أو. أس. أن. يا هلا الأولى» واحداً من الأعمال التي قرر منتجوه عرضه خارج السباق الرمضاني. يروي المسلسل حكايا من الأزمة السورية الحالية: نشاهد قصة حب مربكة بين بطلين (جوان خضّور ونسرين طافش) تدور رحاها بين سوريا ولبنان، فيما تقع مجموعة من النساء (ليلى جبر، سوزان نجم الدين، إمارات رزق) «سبايا» لإحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة. في الوقت عينه، نتابع قصصاً يومية لمحامٍ (باسم ياخور) ورجل سياسة وصولي (أحمد الأحمد)، وصاحب دار نشر (حسين عبّاس) وغيرهم يدورون في فلك الأزمة، حتى يصبحوا وقودها في لحظةٍ ما. إخراجياً، تبرع رشا شربتجي في تقديم كاميرا هادئة ومتوازنة. لذلك، لا يمكن الحديث عن أخطاء تقنية واضحة، بل تبرع أحياناً في تصوير «الحقيقة»، فنشاهد البطلات «السبايا» بلا مكياج نهائياً خلال وجودهن في سبيهن. في الوقت عينه، لا تفلت القصة من كاتبها حازم سليمان، وإن شابها «الملل»، أحياناً وخصوصاً في مشاهد البطلة «شوق».
أدائياً، يمتاز المسلسل بأّنه يمتلك واحداً من أهم الممثلين العرب (ولربما حتى العالميين) باسم ياخور، النجم الذي يمتلك مرونة وتنوّعاً أدائياً (diversity) خاصة تمكّنه من أداء أصعب الأدوار بسهولةٍ بالغة. هل يمكن للمشاهد الشك بأنَّ جودة أبو خميس من مسلسل «ضيعة ضايعة»، و«توفيق» من مسلسل «الخربة»، و«أبو نبال شيخ الوادي» من «الولادة من الخاصرة» هم جميعهم شخصٌ واحد؟
يؤدي ياخور دور محامٍ يسعى لمتابعة قضايا المعتقلين في قضايا سياسية. وإذا كان دوره لا يعطيه مساحةً كافية لـ «تصدّر» المسلسل، إلا إنه يمكن القول بأنَّ الرجل يؤدي ما عليه. الأمر نفسه ينسحب على أحمد الأحمد، الذي يعرف كيف «يخيط» شخصياته التي يلعبها، فيمارس الأمر بحرفة، مما يجعله محبباً للجمهور مهما كان دوره. على الجانب الآخر، تأتي بطلة المسلسل نسرين طافش ضمن عالمٍ/ إطارٍ خاص بها. بالتأكيد ليس هناك شك حول موهبة طافش كممثلة، لكن ما يطرح للنقاش هو إصرارها على أن تكون «هي» ذاتها في كل أدوارها.
إذ لا يمكن أبداً التمييز بين أي شخصية/ دور أخذتها الممثلة السورية: فما هو الفارق بين شخصيتها هنا وشخصيتها في «تحالف الصبار» مثلاً؟ تؤدي طافش دور «شوق» بطلة المسلسل، «الساحرة» و«المبهرة» و«الخارقة» كعادة أدوار طافش، والجميع مفتونون بها (عائلتها، رفاقها، أصدقاؤها، مديرها في العمل وهكذا). كما أنّها «بوصلة» أخلاقية تتمتع بـ «حكمة» تقولها للآخرين كما للمشاهدين. أي أننا أمام شخصية «كاملة»! مشكلة هذه الأدوار أنّها «مستهلكة/ كليشيه» عربياً، فمثلاً «نجمتا الجماهير» (كما كانتا تحبان أن تلقبا) نبيلة عبيد وناديا الجندي كانت أدوارهما تتمحور حول هذه النوع من الشخصيات حصراً، ولا تحيد عنهما أبداً. لذلك مل المشاهد العربي أفلامهما (كما مسلسلاتهما لاحقاً) وهجرها.
في الإطار عينه، يطلّ الممثل جوان خضّور في أداء «رديء» للغاية، فنراه ملولاً سائماً طوال المسلسل، دون أن نفهم السببية التي تجعله هكذا: هل هي العروس التي لا يريدها؟ هل هي طبيعة الدور؟ أم أنها طبيعة شخصيته الحقيقية وغياب النص الجيد جعلها تظهر هكذا؟ يضاف إلى كل هذا أنّه بدا «أصغر» سناً بكثير من بطلة المسلسل «شوق»، مما جعل المشاهد التي تجمعهما أشبه بعلاقة آثمة. أما سوزان نجم الدين، فمشكلتها الوحيدة ربما هي «حزنها الوجودي» الدائم الذي حازته منذ مسلسل «حنين» (2002- مع أيمن زيدان). رغم مستواها الأدائي الجيّد، إلا أنَّ كآبتها تكون «ثقيلة» أحياناً على المشاهد. أخيراً تدأب مرام علي على اختيار الأدوار المعقّدة وذات الأبعاد النفسية «المهشّمة».
هي ربما تعتقد أنّه من خلال لعبها لهذه الأدوار «المركّبة» (كالفتاة التي كسرتها الظروف كما في «الندم»، أو تعرضت للاغتصاب كما في «القربان») تؤكد للمخرجين علو موهبتها الكبيرة، لكنها تنسى بأنّ الجمهور سيحفظها في هذا النوع من الأدوار وسيحصرها المنتجون والمخرجون بها (ويصبح حالها كحال المصرية علا غانم مثلاً). في الختام، لايمكن اعتبار «شوق» مسلسلاً سيئاً، أو لا يستحق المشاهدة، لكنه أيضاً ليس مسلسلاً من النوع «الخالد» الذي يبقى في أذهان المشاهدين إلى الأبد.